ولو فرضنا صحّة المقدّمات ؛ إذ التضيّق المذكور هل تحقّق في جميع الموارد وإن كان الواجب توصّليّا أو في خصوص الواجبات التعبّديّة؟ فإن كان مراده الأوّل فهو مخالف لما هو من ضروريّات الفقه ؛ من أنّه لا حاجة في الواجبات التوصّليّة إلى التضيّق والتقيّد بقصد القربة بوجه ، وإن كان مراده الثاني وسلّمنا أنّ مقتضى الأصل اللفظي عبارة عن التعبّديّة في موارد الشكّ ، ولكن نسأل أنّ أي أصل هو وما هو اسمه؟
فإن قيل : أنّ مرجع الشكّ في التعبّديّة والتوصّليّة إلى الشكّ في تضيّق المأمور به وعدمه ، وإتيانه بدون قصد القربة يوجب الشكّ في براءة الذمّة ، فلا بدّ من رعاية قصد القربة لتحصيل البراءة اليقينيّة.
قلنا : إنّ هذا أصل عملي لا لفظي.
الثانية : أنّ قياس العلل التشريعيّة بالتكوينيّة قياس مع الفارق ـ كما قال الإمام قدسسره (١) بهذا الجواب ـ فإنّ هذا ادّعاء بلا دليل ، بل لنا دليل على خلافه ، وهو أنّ المعلول في العلّة التكوينيّة الحقيقيّة ـ أي الفاعل الإلهي لا المادّي الذي هو في سلك المعدّات ـ إنّما هو ربط محض بعلّته لا شيئيّة له قبل تأثير علّته ، ففعليّته ظلّ فعليّة علّته ، كما قال المرحوم صدر المتألّهين (٢) في مسألة ارتباط الواجب والممكنات : إنّ الممكن عين الربط لا شيء له الربط ، بخلافه في العلل التشريعيّة فإنّ الأمر إمّا يكون بمعنى الإرادة القائمة بنفس المولى ، وإمّا بمعنى البعث والتحريك الاعتباري ، فكلاهما بعيدان عن العلّيّة بمراتب ؛ إذ أقلّ ما يتحقّق في العلّيّة تقدّم العلّة على المعلول ، وهذا المعنى لا يجري فيهما ؛ لأنّ
__________________
(١) مناهج الوصول إلى علم الاصول ١ : ٢٧٦.
(٢) الحكمة المتعالية ٢ : ٢٩٩.