فهل يمنع الالتزام بالاشتغال هنا عن التمسّك بحديث الرفع هاهنا أم لا؟ لقائل أن يقول : إنّه لا يصحّ التمسّك بالبراءة الشرعيّة ، فإنّا سلّمنا أنّه ليس للشارع بيان ، إلّا أنّه يمكن إحالة البيان إلى حكم العقل ، ولمّا حكم العقل برعاية قصد القربة فلا ضرورة لتعرّضه ، فهو مبيّن من جهة المولى ، فلا محلّ لجريان حديث الرفع.
وجوابه : أوّلا : أنّه لو سلّمنا حكم العقل بالاشتغال ، ولكن لا شكّ في أنّه ليس من الأحكام البديهيّة والضروريّة العقليّة ، بل هو من الأحكام التي اختلفت فيها العقول ـ كما مرّ تفصيله في المقام الأوّل ـ وحينئذ لا يكون هذا مجوّزا ؛ لعدم بيان الشارع ، ولا معنى لاتّكاله على العقول لبيان ما له مدخليّة في حصول الغرض.
وثانيا : على فرض اتّحاد العقول في الحكم بالاشتغال لا مانع من التمسّك بحديث الرفع (١) أيضا ؛ لأنّ جريان أصالة الاشتغال لا يوجب تبديل الشكّ باليقين وما لا يعلمون بما يعلمون ؛ إذ الشكّ موضوع لجريان أصالة الاشتغال ، ولا معنى لإعدام الحكم موضوعه ، ولا ينفي الحكم مجراه ومورده ، بل كان جريانها مؤيّدا لتحقّق عنوان ما لا يعلمون ، والجهل بالحكم الواقعي ، فلا ينافي حكم العقل بالاشتغال مع التمسّك بالبراءة الشرعيّة ، ولا إشكال في الاختلاف بين حكم العقل والشرع ، فنتمشّى بما يقتضيه الدليل الشرعي.
وأمّا على القول بعدم إمكان أخذ قصد القربة في المتعلّق فهل يمكن التمسّك بالبراءة الشرعيّة أم لا؟ قال المحقّق الخراساني (٢) في آخر كلامه : «لا أظنّك أن تتوهّم وتقول : إنّ أدلّة البراءة الشرعيّة مقتضية لعدم الاعتبار وإن كان قضيّة
__________________
(١) الوسائل ١٥ : ٣٦٩ ، الباب ٥٦ من جهاد النفس ، الحديث ١.
(٢) كفاية الاصول ١ : ١١٤.