ولكن لا بدّ من نظر إجمالي إلى أدلّة الأقوال كما قال صاحب الكفاية (١) : إنّ أرباب الأقوال المذكورة تمسّكوا لمدّعياتهم بجملة من موارد الاستعمالات ، مثل أمر الطبيب بأكل بعض المأكولات بعد النهي عنها للمريض بدلالته على الإباحة وأمثال ذلك ، مع أنّه لا مجال للتمسّك بها ، فإنّه قلّ مورد منها يكون خاليا عن قرينة على الوجوب أو الإباحة أو التبعيّة ، فلا يصلح الاستدلال بها على كون مجرّد وقوع الأمر عقيب الحظر قرينة على ما ادّعوه من الأقوال المذكورة بعنوان قاعدة كلّيّة.
ووافق صاحب الكفاية قدسسره المشهور في الادّعاء السلبي وهو : أنّ الأمر إذا وقع عقيب الحظر أو في مقام توهّمه ليس بظاهر في المعنى الحقيقي ، وخالفهم في الادّعاء الإثباتي ، وهو : ظهوره في هذين المقامين في الإباحة ، بل هو قائل بأنّ الوقوع في أحد هذين المقامين قرينة صارفة فقط ، وليست بقرينة معيّنة فيصير الأمر حينئذ مجملا ، فلا يحمل على أحد المعاني من الوجوب والإباحة وأمثال ذلك إلّا بقرينة اخرى.
ومبنى هذه المسألة أنّه إذا كانت في الكلام قرينة وشككنا في أنّ المتكلّم اعتمد على هذه القرينة أم لا فليس له ظهور ، لا في المعنى الحقيقي ولا في المعنى المجازي.
ولا محلّ هاهنا لأصالة الظهور ، فإنّ التمسّك بها فرع إحراز أصل الظهور وتحقّقه ، فإذا كان في الكلام كلمتان وكان بعدهما قرينة واحدة ، ونحن نعلم إرجاعها إلى واحد منهما ونشكّ في إرجاعها إلى الآخر ، فيصير المشكوك فيه مجملا ، كقولنا : «رأيت أسدا وذئبا يرمي» والمتيقّن إرجاعها إلى كلمة
__________________
(١) كفاية الاصول ١ : ١١٦.