وثانيها : أنّ عدّة من الآيات تدلّ على الفوريّة كقوله تعالى : (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ)(١) و (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ)(٢).
وتقريب الاستدلال : أنّ الآيتين تدلّان على وجوب المسارعة والاستباق إلى سبب المغفرة والخير ؛ إذ لا معنى للاستباق والمسارعة إلى نفس المغفرة والخير بعد كونهما من أفعاله تعالى ، ولا سبب لهما أعظم من الواجبات وامتثال أوامره تعالى ، فيجب إتيانها وإطاعة الأوامر فورا.
وأجابوا عن هذا الاستدلال بأجوبة متعدّدة ، بعضها مختصّ بآية واحدة ولا يجري في الاخرى ، وبعضها الآخر مشترك بين الآيتين.
وأمّا الجواب الاختصاصي عن الآية الاولى فهو : أنّ وجوب المسارعة في الآية لا ينحصر بسبب المغفرة ؛ إذ يقول الله تعالى في ذيل الآية : (وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) ، والظاهر أنّ المعطوف مغاير مع المعطوف عليه ، وبعد أن لا يكون لنا تكليف بعنوان المسارعة إلى الجنّة في مقابل سائر التكاليف الإلهيّة يستفاد أنّ الأمر في الآية إرشادي ولا يدلّ على الوجوب ، ولا يعقل أن يكون الأمر بالنسبة إلى المعطوف عليه مولويّا وبالنسبة إلى المعطوف إرشاديّا ، فلا محالة يحمل الأمر بالسرعة في كلتا الجملتين على الإرشادي.
وأمّا الجواب المشترك بين الآيتين فهو يجري في الآية الاولى بأنّ هيئة «سارعوا» تكون من باب المفاعلة ، ويتعلّق اللحاظ فيه بالطرفين ، فأوجب الله تعالى بالآية المسارعة والمسابقة إلى فعل المأمور به بين المكلّفين ، وهذا المعنى
__________________
(١) آل عمران : ١٣٣.
(٢) البقرة : ١٤٨.