لا يجري في الواجبات العينيّة كالصلاة والصوم والحجّ وأمثال ذلك ؛ إذ الواجب فيها إتيان كلّ واحد من المكلّفين وظيفته بلا دخل له بوظيفة سائر المكلّفين ، ولا معنى للمسارعة لكلّ واحد منهم على الآخر بالنسبة إلى وظيفته ، وحركة المتديّنين سريعا في أوّل الوقت إلى المساجد تكون لإدراك فضيلة الجماعة وأوّل الوقت لا لمسابقة بعضهم البعض الآخر.
وإنّما يجري هذا الاستدلال في الواجبات الكفائيّة فقط ، فإنّ غرض المولى فيها يتحقّق بعمل شخص واحد ، فإن خالف الجميع يكون مستحقّا للعقوبة ، وإن وافق أحد منهم يصدق عليه عنوان المطيع ويستحقّ المثوبة ، ولا يصدق على سائر المكلّفين عنوان العاصي ولا عنوان المطيع ولا يستحقّون المثوبة ولا العقوبة ، فيصدق هاهنا عنوان المسارعة.
وهكذا في آية : (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ) إلّا أنّ السبق واللحوق يستفاد من مادّة السبق لا من هيئته ، فالاستدلال بها يصحّ في الواجبات الكفائيّة فقط لا العينيّة ، ولا معنى للسبق إلى الصلاة والصوم وأمثال ذلك.
ويمكن أن يقال : إنّ دلالة الآيتين على وجوب المسارعة والفوريّة في الواجبات الكفائيّة كافية في الاستدلال ، فإنّا نستفيد بضميمة عدم القول بالفصل وجوب الفوريّة في الواجبات العينيّة أيضا ، ويثبت المدّعى.
وفيه : أوّلا : أنّه لا يستفاد من ارتباط الآيتين بالواجبات الكفائيّة وجوب المسارعة والاستباق ، وأنّ في كلّ واحد من الواجبات الكفائيّة يتحقّق تكليفان : أحدهما : أصل الواجب ، وثانيهما : المسارعة إليه ، بل التكليف واحد ، ولكنّ المسارعة والاستباق إليه راجح ومستحبّ.
وثانيا : أنّ الاستباق والمسارعة لا يكون بمعنى الفوريّة ؛ لأنّ الاستباق