والمسارعة يصدق مع التراخي أيضا ؛ لأنّ إتيان بعض المكلّفين العمل قبل بعض الآخر يصدق أنّه استبق العمل بالنسبة إلى غيره ، فلا يستفاد من الآيتين الدلالة على الفوريّة قطعا.
ومع قطع النظر عن هذه الإشكالات نبحث أيضا في أنّ ظهور آية (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ) في العموم لا يكون قابلا للمناقشة ، فإنّ دلالة الجمع المحلّى باللام على العموم متّفق عليه ، فيكون مفاد الآية : واستبقوا إلى كلّ ما هو خير ، وهذا يوجب الإشكال من حيث شمولها المستحبّات كما سيأتي.
وأمّا الاستدلال بآية : (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) فهو مبتن على أن يكون لفظ السبب مقدّرا ؛ إذ المغفرة من أفعاله تعالى ، ولا معنى للسرعة إلى فعل الغير ، فلا بدّ أن يكون المقدّر ما هو فعل المكلّف وهو السبب ، وهذا أيضا يكون قابلا للمناقشة ؛ بأنّ فعل الغير على قسمين : فإنّه قد لا يكون مربوطا بهذا المكلّف بوجه ، وحينئذ لا معنى للسرعة إلى هذا النحو من فعل الغير ، وقد يكون مربوطا بالمكلّف في عين كونه من أفعال الغير ، وحينئذ لا مانع من أن تكون السرعة إلى فعل الغير واجبا بلحاظ هذا الارتباط ، كقولنا للطالب مثلا : «اسرع إلى الشهريّة» ، مع أنّ إعطاء الشهريّة فعل الغير ، ولكنّ طرف إضافة الإعطاء هو الطالب ، ولذا يصحّ هذا القول له ، والمغفرة أيضا من هذا القبيل ؛ إذ يصحّ أنّ المغفرة فعل الله تعالى.
وأمّا بلحاظ ارتباطه بالمكلّفين فلا مانع من قولنا : «اسرعوا إلى مغفرة من ربّكم». هذا أوّلا.
على أنّه يرد على كلا فرضي التقدير وعدمه إشكال مهمّ آخر ، وهو أنّه لو فرضنا عدم التقدير في الآية فتكون المغفرة نكرة موصوفة ، ومعناها : سارعوا