إنّما الإشكال في المرتبتين الأوليين ، فقيل : إنّهما في عرض واحد ، وقيل بتقديم رتبة الامتثال التفصيلي مع الإمكان من الامتثال الإجمالي ، وعلى ذلك يبتني بطلان عبادة تاركي طريق الاجتهاد والتقليد والعمل بالاحتياط ، وهذا هو الأقوى.
وقد عرفت جوابه ممّا ذكرناه من أنّ العقل لا يحكم إلّا بلزوم الإطاعة ، وهي لا تكون إلّا إتيان المأمور به بجميع أجزائه وشرائطه وخصوصيّاته ، ومعه يسقط التكليف ، فلا صحّة لهذه الطوليّة بحكم العقل.
الأمر السادس : أنّ الاحتياط المستلزم للتكرار يعدّ عند العقلاء لعبا وعبثا بأمر المولى ، وما كان هذا حاله لا يصدق عليه الامتثال والطاعة.
وفيه : أوّلا : أنّ التكرار في العمل لا يعدّ لعبا وعبثا عند تعلّق الغرض العقلائي به ، كما إذا توقّف تحصيل العلم والامتثال التفصيلي على مشقّة كالمشي إلى مكان بعيد للسؤال عمّن يقلّده ، أو ملاحظة كتب متعدّدة للاستنباط ، مع أنّ استنباط الحكم من الأدلّة لا يوجب القطع به بحسب الواقع ، فيمكن أن يتحقّق الاحتياط بعد الاجتهاد.
وثانيا : أنّ اللعب على تقدير تسليمه لا يمنع من الحكم بصحّة الامتثال الإجمالي وكفايته ، وذلك لأنّ اللّعب إنّما هو في طريق إحراز الامتثال لا في نفس الامتثال ؛ إذ الإتيان بما هو مصداق للمأمور به ليس لعبا ، وإنّما اللّعب هو الإتيان بما ليس بمأمور به ، أو أنّ اللّعب لا يرتبط بأمر المولى بل يرتبط بالإطاعة ، ولا يلزم أن تكون جميع مراحل الإطاعة بدواعي إلهيّة ، مثل : اختيار الماء البارد للوضوء ، أو المكان البارد للصلاة في فصل الحرارة ، ونحو ذلك. هذا تمام الكلام في أحكام القطع.