وثالثا : أنّ لازم هذا الكلام تعلّق الإرادة الجدّية بجميع مصاديق البيع وإن كان غرريّا ، فكلّ معاملة إذا تحقّقت واتّصفت بعنوان البيعيّة يكون حلالا نافذا عند الله ، فإنّ بعد تحقّق موضوع قضيّة حقيقيّة تتعلّق به الإرادة الجدّية ، وهذا ينافي التقييد والتخصيص ، ولا يكون قوله عليهالسلام : «نهى النبيّ عن بيع الغرر» قابلا للجمع مع (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) ، بخلاف ما ذكرناه بلحاظ تعلّق الإرادة الاستعماليّة والحكم الإنشائي بحلّية جميع أفراد البيع ومصاديقه ، وهذا لا يتنافى مع دخالة بعض القيود في متعلّق الإرادة الجدّية.
نعم ، أصالة التطابق حاكم بتطابق الإرادتين إن لم يكن الدليل على الخلاف كما في بيع المعاطاة ، فما يكون متعلّق الإرادة الاستعماليّة هو حكم إنشائي ، وما يكون متعلّق الإرادة الجدّية هو حكم فعلي.
إذا عرفت هذه المقدّمة بالنسبة إلى المحذور الثالث ـ أي اجتماع الإرادة والكراهة أو الحبّ والبغض في شيء واحد إذا أدّت الأمارة إلى حرمة ما هو واجب في الواقع أو وجوب ما هو حرام في الواقع ـ فنقول : والجواب عنه ما هو التحقيق في الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي ، وقد مرّ في مسألة المتزاحمين أنّه لا محيص إلّا عن رفع اليد عن الأمر بالمهمّ في مقام الفعليّة ، لا لعدم ملاك الوجوب فيه ، بل لعدم قدرة المكلّف على امتثالهما معا ورعاية الأمر بالأهمّ ، فلا يترتّب على مخالفة الأمر بالمهمّ عقوبة ولا مذمّة.
ومن هنا يستفاد فيما نحن فيه بأنّ صلاة الجمعة ـ مثلا ـ إذا كانت بحسب الواقع واجبة ولكنّه لم يصل إلى المكلّف لمانع ، فلا بدّ له إمّا من الاحتياط التامّ الذي يؤدّي إلى العسر والحرج الشديدين ، بل وخروج الناس عن ربقة الإسلام وانزجارهم عن الدّين ، وإمّا العمل على وفق الأمارات الذي يستلزم