المخالفة للواقع أحيانا ويوجب تفويت مصالح الأحكام الواقعيّة ، ولكنّه أهون للشارع من تنفّر الناس وانزجارهم عن أساس الإسلام ، فالضرورة تقتضي أن يجعل الشارع بعض الأمارات العقلائيّة حجّة ، فالملاك الذي يقتضي رفع اليد عن الأمر بالمهمّ هو الذي يقتضي هنا رفع اليد عن الأحكام الواقعيّة.
آراء اخرى لدفع المحذور :
وتتحقّق هنا آراء اخرى للجمع بين الحكم الظاهري والواقعي :
الأوّل : ما يستفاد من كلام الشيخ الأعظم الأنصاري قدسسره (١) من أنّ الحكم الظاهري قد اخذ في موضوعه الشكّ في الحكم الواقعي ، فيكون الحكم الظاهري في طول الشكّ في الحكم الواقعي لا محالة ، والشكّ في شيء أيضا يكون في طول ذلك الشيء ، فيكون الحكم الظاهري متأخّرا عن الحكم الواقعي برتبتين ، فلا تبقى منافاة بينهما.
وأشكل عليه صاحب الكفاية قدسسره (٢) بأنّ الحكم الظاهري وإن لم يكن في مرتبة الحكم الواقعي لمكان الطوليّة ، إلّا أنّ إطلاق الحكم الواقعي لحالات الجهل والعلم يشمل مرتبة الحكم الظاهري ، فإنّ اختصاص الحكم الواقعي بالعالم به يلزم التصويب الباطل ، وعليه فمحذور الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري باق على حاله.
الرأي الثاني : ما ذكره المحقّق الخراساني قدسسره (٣) من أنّ المجعول في باب الطرق والأمارات هو الحجّية التي هي عبارة عن المنجّزية عند مطابقة الأمارة للواقع والمعذّرية عند المخالفة ، فالأمارة لا تستتبع حكما شرعيّا تكليفيّا أصلا ، حتّى
__________________
(١) الرسائل : ١٩٠ ـ ١٩١.
(٢) كفاية الاصول ٢ : ٤٤.
(٣) المصدر السابق.