وثانيا : أنّه ذكر في ذيل كلامه ما هو مخالف لما حقّق في العلوم العقليّة ، وهو أنّ ما مع المتقدّم في الرتبة لا يكون متقدّما رتبة ، وما مع المتأخّر في الرتبة لا يكون متأخّرا رتبة.
توضيح ذلك : أنّه لا بدّ من كون التقدّم والتأخّر الرتبي مستندا إلى الملاك ، ومن هنا كانت العلّة متقدّمة على المعلول رتبة لمكان العلّية ، وعليه فلو كان مع العلّة شيء مقارن لا يقتضي الحكم بتقدّمه رتبة على المعلول لمجرّد المقارنة والمعيّة مع العلّة ، وكذا الحال بالنسبة إلى مقارن المعلول. نعم ، إن تحقّق للمعلول علّتان يصحّ القول بأنّ هذا المعلول متأخّر عن كلتا العلّتين ، فالمعيّة لا تقتضي التقدّم على المعلول.
ولكنّه قدسسره قال : كما أنّ إيجاب الاحتياط في النفس المردّدة بين المسلم والكافر متأخّر عن الحكم الواقعي في الرتبة ، كذلك قاعدة الحلّية متأخّرة عنه في الرتبة ؛ لكونهما في رتبة واحدة ، فإذا كان أحدهما متأخّرا عن شيء لا بدّ من تأخّر الآخر ، فلا يصحّ الحكم بتأخّر الرخصة عن الحكم الواقعي رتبة لمجرّد كونها في عرض إيجاب الاحتياط الذي هو في طول الحكم الواقعي ومتأخّر عنه رتبة.
وثالثا : سلّمنا أنّه لا منافاة بين إيجاب الاحتياط والحكم الواقعي ، بل يكون إيجابه لتحفّظ الحكم الواقعي في مورد الشكّ البدوي كما هو المفروض هنا ، ولكنّ الإشكال المهمّ في قاعدة الحلّية والطهارة مع أنّ جعلهما يكون بداعي التسهيل والفرار عن الحكم الواقعي ، فإن تعلّقت إرادة جدّية المولى بحرمة شرب التتن ـ مثلا ـ كيف يكون هذا قابلا للجمع مع قوله : كلّ شيء شكّ في حلّيته وحرمته فهو لك حلال؟! هذا محور الإشكال ، وكلامه قدسسره بطوله وتفصيله