الشارع بغير علم ، كذلك هي موضوع لحرمة التشريع ، ولا مجال لجريان الاستصحاب بلحاظ العنوان الأوّل ، فإنّ موضوع الحرمة هو الشكّ الحاصل بالفعل ، ومجرّد الشكّ وعدم العلم يكفي في ترتّب الحرمة عليها كما قال به الشيخ الأنصاري قدسسره.
وأمّا بلحاظ العنوان الثاني فيجري الاستصحاب ، فإنّ إحراز ما ليس من الدين قد يكون وجدانا ، وقد يكون بالأصل مثل : استصحاب عدم كونه من الدين ، وبإدخاله يتحقّق عنوان التشريع المحرّم ، وعلى هذا يصحّ ما قال به صاحب الكفاية قدسسره ، فالحقّ هنا التفصيل بين العنوانين.
الوجه الثالث : هو ما ذكره صاحب الكفاية قدسسره (١) من أنّ الحجّة لها أثران : الأوّل : التنجيز في صورة الإصابة للواقع ، فيوجب استحقاق العقاب على المخالفة ، والثاني : التعذير في صورة عدم الإصابة فلا معنى للعقاب ، ومن الواضح أنّ موضوع هذين الأثرين هو الحجّية الفعليّة دون الإنشائيّة ، أعني ما أحرز وعلم أنّه حجّة بالفعل ، فإذا شكّ في حجّية شيء يقطع بعدم ترتيب الأثر عليه من التنجيز والتعذير ، وذلك لانتفاء موضوعه.
والدليل على ذلك أنّ الحجّة هي ما يصحّ أن يحتجّ به المولى على عبده ليقطع عذره ، ويصحّ للعبد أن يحتجّ به على المولى ليثبت عذره ، ومن المعلوم عقلا ووجدانا توقّف هذين الأثرين على العلم بالحجّة صغرى وكبرى ، ولا يترتّب على واقع الحجّة. وهذا هو الصحيح عندي أيضا كما هو واضح.
__________________
(١) كفاية الاصول ٢ : ٥٥.