والقاعدة ، إلّا أنّ الاستصحاب يجري دون القاعدة لحكومته عليها ؛ لحكومة استصحاب الطهارة على قاعدة الطهارة.
ولا يخفى أنّ ما نحن فيه من قبيل القسم الأخير ، فإنّ حرمة التعبّد كما هي أثر للشكّ في الحجّية ، كذلك أثر لعدم الحجّية واقعا ، فلكلّ من الاستصحاب والقاعدة مجال ، إلّا أنّ الاستصحاب يقدّم بنكتة الحكومة.
والتحقيق : أنّ هنا عنوانين مستقلّين ، وتدلّ على حرمة كلّ منهما أدلّة خاصّة : أحدهما : عنوان التشريع ؛ بمعنى إدخال ما ليس من الدين في الدين ، أو إخراج ما هو منه عنه ، وهو حرام بلا إشكال ، وتعلّق الحرمة على واقعيّة التشريع بلا مدخليّة لعلم المكلّف وجهله فيه ، إلّا أنّ الجهل مانع عن استحقاق العقوبة كما هو الحال في سائر المحرّمات الواقعيّة ، والأدلّة الأربعة تدلّ على حرمته ظاهرا.
وثانيهما : إسناد ما لا يعلم كونه من الشارع إليه ، وهو محرّم أيضا.
ويدلّ على حرمته قوله تعالى : (وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ)(١).
وأمّا الاستدلال بقوله تعالى : (آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ)(٢) فغير تامّ ؛ لأنّ الافتراء هو الانتساب إلى الله تعالى عمدا وكذبا ، وهو أجنبيّ عن انتساب المشكوك فيه إليه تعالى.
وأمّا الأمارة المشكوكة الحجّية فكما أنّها موضوع لحرمة الإسناد إلى
__________________
(١) الأعراف : ٢٨.
(٢) يونس : ٥٩.