القرينة الثانية : قوله عليهالسلام : «فيه حلال وحرام» فإنّه ظاهر في الانقسام الفعلي ، بمعنى أن يكون هناك قسم حلال وقسم حرام ، وقسم مشكوك فيه لم يعلم من أيّهما كما في المائع المشكوك في كونه خلّا أو خمرا ، ومن الواضح أنّ الانقسام الفعلي إنّما يجري في الشبهات الموضوعيّة ، وأمّا في الشبهات الحكميّة فليس فيها إلّا احتمال الحرمة والحلّية كما في شرب التتن.
وذهب المحقّق العراقي قدسسره (١) إلى أنّه يمكن أن يقال بشمول الرواية للشبهات الحكميّة ؛ نظرا إلى إمكان فرض الانقسام الفعلي فيها أيضا كما في كلّي اللحم ، فإنّ فيه قسمين معلومين : قسم حلال وهو لحم الغنم ، وقسم حرام وهو لحم الأرنب ، وقسم ثالث مشتبه وهو لحم الحمير لا يدرى بأنّه محكوم بالحلّية أو الحرمة ، ومنشأ الاشتباه فيه هو وجود القسمين المعلومين ، فيقال بمقتضى عموم الرواية أنّه حلال حتّى تعلم حرمته.
وفيه : أنّ الظاهر من الرواية أنّ منشأ الشكّ في الحلّية والحرمة هو نفس الانقسام الفعلي إلى الحلال والحرام كما هو الحال في الشبهات الموضوعيّة ، ومن الواضح أنّ منشأ الشكّ في الشبهة الحكميّة ـ كلحم الحمير ـ ليس ناشئا من انقسام اللحم إلى الحلال والحرام ، بل هذا النوع من اللحم بنفسه مشكوك فيه من حيث الحلّية والحرمة ، إمّا لفقدان النصّ أو إجمال النصّ أو تعارض النصّين ، وأمّا انقسام أنواع اللحم إلى الحلال والحرام فلا دخل له بالشكّ في لحم الحمير بوجه ، ولذا لو فرضنا حرمة جميع أنواع اللحم ما عدا الحمير أو حلّيتها لكان الشكّ في لحم الحمير من حيث الحلّية والحرمة باق على حاله ، وعليه فالرواية لا تشمل الشبهات الحكميّة.
__________________
(١) نهاية الأفكار ٣ : ٢٣٣.