وأمّا بالنسبة إلى القياس الأوّل فصغراه غير فعليّة ، بل معلّقة على امور ؛ إذ احتمال العقاب في مورد ما لا بدّ وأن يكون له منشأ معقول ، ومنشؤه يمكن أن يكون أحد الامور التالية :
١ ـ أن تكون الشبهة مقرونة بالعلم الإجمالي.
٢ ـ أن يكون ارتكاب الشبهة البدويّة قبل الفحص ، أو بعد الفحص الناقص.
٣ ـ أن لا يكون العقاب بلا بيان قبيحا عقلا.
٤ ـ أن لا يرد ترخيص في ارتكاب الشبهة.
٥ ـ أن لا يكون العقاب بلا بيان قبيحا على المولى.
ولا يخفى انتفاء كلّ هذه الامور فيما نحن فيه ، ومعه لا يبقى مجال لاحتمال العقاب حتّى ينضمّ إلى كبرى وجوب دفع الضرر المحتمل ، وأمّا الكبرى بوحدتها فلا تنفع شيئا كما عرفت.
ومن الواضح أنّ القياس المنظّم من المقدّمات الفعليّة مقدّم على القياس المعلّق على امور لم يتحقّق واحد منها ، وبما ذكرنا يظهر وجه النظر فيما قيل من أنّ كبرى قبح العقاب بلا بيان واردة على كبرى وجوب دفع الضرر المحتمل.
الوجه الثالث : أنّ كلّ مسلم يعلم إجمالا في أوّل بلوغه بوجود تكاليف إلزاميّة كثيرة في الشريعة ، ومثل هذا العلم الإجمالي ينجّز التكاليف الواقعيّة على المكلّف ، فيجب عليه الخروج من عهدتها بالاحتياط في جميع الشبهات حتّى يحصل له العلم بالفراغ عمّا اشتغلت ذمّته به يقينا ؛ لأنّ الاشتغال اليقيني يقتضي الفراغ اليقيني بحكم العقل ، ومن المعلوم أنّ منجّزية العلم الإجمالي تمنع من الرجوع إلى البراءة.