وأمّا التجرّي ـ سواء كان له عنوان اصولي أو غيره ـ فيقع البحث فيه من جهتين :
الجهة الأولى : في أنّه قبيح عقلا أم لا؟ ولا خلاف في أنّ العقل كما يحكم بقبح المعصية كذلك يحكم بقبحه ، إنّما الكلام في أنّه صفة الفاعل أو الفعل ، ويستفاد من كلام الشيخ الأنصاري (١) والمحقّق النائيني قدسسرهما (٢) أنّه صفة الفاعل ؛ إذ المتحقّق في الخارج هو شرب الماء ، واعتقاد كونه خمرا لا يوجب اتّصافه بالقبح ؛ لعدم تغيير الواقع عمّا هو عليه بالاعتقاد ، إلّا أنّ إبراز نيّة المعصية يكون بواسطة الفعل ، فالفاعل متّصف بالقبح.
والمحقّق العراقي قدسسره (٣) قائل بالقبح الفعلي ؛ إذ القبيح في الواقع هو هتك حرمة المولى عملا ، والطغيان الخارجي عليه بعد النيّة واعتقاد كونه معصية ، ومحصّل الطغيان ومحقّقه هو الفعل ، فلا محالة يكون الفعل متّصفا به.
وجوابه : أنّ بعد الاعتراف بأنّ المتحقّق في الخارج هو شرب الماء وأنّ الاعتقاد لا يوجب تغيير الواقعيّة ، كيف يمكن أن يكون الفعل موصوف القبح؟!
ولكن لا يبعد أن يكون النزاع لفظيّا ، بلحاظ أنّ العمل مبرز لقصد المعصية ، والإبراز معتبر في صدق عنوان التجرّي ، ويمكن أن يكون صفة للفعل ، وبلحاظ كشفه عن سوء سريرة المكلّف وجرأته في مقابل المولى ، ويمكن أن يكون صفة الفاعل.
الجهة الثانية : في أنّ التجرّي حرام شرعا أم لا؟ فإنّ الدليل الأوّل على
__________________
(١) الرسائل : ٥.
(٢) فوائد الاصول ٣ : ٤٢.
(٣) نهاية الأفكار ٣ : ٣٠ ـ ٣١.