ما حكم العقل بقبحه حكم الشرع بحرمته».
وجوابه : أوّلا : أنّ قبح التجرّي قبح فاعلي لا قبح فعلي كما ذكرناه.
وثانيا : على فرض كون القبح قبحا فعليّا ولكن مورد جريان قاعدة الملازمة المذكورة منحصر فيما كان حكم العقل في سلسلة المبادئ وعلل حكم الشرع ، وفي رتبة متقدّمة عليه ، وحكم العقل بقبح التجرّي هنا متأخّر عن حكم الشرع بمراتب ، مع أنّ أصل قاعدة الملازمة محلّ كلام.
وذكر المحقّق النائيني قدسسره (١) طريقا آخر لحرمة التجرّي وهو : أنّ الخطابات الأوّليّة تعمّ صورتي مصادفة القطع للواقع ومخالفته ، ويندرج المتجرّي في عموم الخطابات الشرعيّة حقيقة ، ببيان : أنّ التكليف لا بدّ وأن يتعلّق بما يكون مقدورا للمكلّف ، والتكليف الذي له تعلّق بموضوع خارجي ، كقوله : «لا تشرب الخمر» و «صلّ في الوقت» وإن كان وجوده الواقعي مشروطا بوجود ذلك الموضوع من غير دخل للعلم والجهل في ذلك ، إلّا أنّ مجرّد الوجود الواقعي لا يكفي في انبعاث المكلّف وحركة إرادته نحوه ، فإنّ الحركة والانبعاث إنّما يكون بالوجود العلمي ، ولا أثر للوجود الواقعي في ذلك ، فالعلم وإن كان بالنسبة إلى الموضوع طريقيّا ، إلّا أنّه بالنسبة إلى الاختيار والإرادة والانبعاث يكون موضوعيّا ، ومتعلّق التكليف إنّما يكون هو الاختيار والانبعاث الناشئ عن العلم بالموضوع والتكليف ، فيكون مفاد قوله : «لا تشرب الخمر» هو لا تختر شرب ما أحرزت أنّه خمر ، وهذا المعنى موجود في كلتي صورتي مصادفة العلم للواقع ومخالفته ، فإنّه في صورة المخالفة قد تحقّق اختيار شرب ما احرز أنّه خمر ، والمصادفة والمخالفة ليست اختياريّة ،
__________________
(١) فوائد الاصول ٣ : ٤٤.