هو كالتخيير في باب المتزاحمين.
وحينئذ لا بدّ إمّا من تقييد إطلاق الأمر بالعمل بمؤدّى كلّ من الأمارتين بحال عدم العمل بالاخرى إن لم يكن أحد المؤدّيين أهمّ ، وإمّا من سقوط الأمرين واستكشاف العقل حكما تخييريا لأجل وجود الملاك التامّ ، في متعلّق كلّ من الأمارتين على المسلكين في باب التزاحم ، والظاهر هو المسلك الأوّل ؛ لأنّ منشأ التزاحم إنّما هو عدم القدرة على الجمع بينهما ، والمقتضي لإيجاب الجمع إنّما هو إطلاق كلّ من الخطابين ، فلا بدّ من رفع اليد عنه ؛ لأنّه الذي أوجب التزاحم ، والضرورات تتقدّر بقدرها.
ونقول في المقام : إنّ حجّيّة كلّ أصل عملي إنّما تكون مطلقة بالنسبة إلى ما عداه من سائر الاصول ؛ لإطلاق دليل اعتباره ، وهذا الإطلاق محفوظ في الشبهات البدويّة والمقرونة بالعلم الإجمالي إذا لم يلزم من جريان الاصول في الأطراف مخالفة عمليّة.
وأمّا إذا لزم فلا يمكن بقاء إطلاق الحجّيّة لكلّ من الاصول الجارية في جميع الأطراف ؛ لأنّ بقاء الإطلاق يقتضي صحّة جريانها في جميع الأطراف ، والمفروض أنّه يستلزم المخالفة العمليّة ، فلا بدّ من رفع اليد عن إطلاق الحجّيّة ، ونتيجة التقييد هو التخيير في إجراء أحد الأصلين لا سقوطهما رأسا ، كما لا يخفى (١).
ثم أجاب المحقّق النائيني رحمهالله عن هذا الوجه الذي أورده على نفسه بكلام طويل ، وملخّصه : أنّ الموارد التي يحكم فيها بالتخيير مع عدم قيام دليل عليه بالخصوص لا تخلو عن أحد أمرين :
__________________
(١) فوائد الاصول ٤ : ٢٥ ـ ٢٧.