أحدهما : اقتضاء الكاشف والدليل الدالّ على الحكم التخيير في العمل.
ثانيهما : اقتضاء المنكشف والمدلول ذلك ، وإن كان الدليل يقتضى التعيّنيّة.
فمن الأوّل ما إذا ورد عامّ كقوله : «أكرم العلماء» وعلم بخروج زيد وعمرو عن العامّ ، ولكن شكّ في أنّ خروجهما هل هو على نحو الإطلاق أو أنّ خروج كلّ منهما مشروط بحال عدم إكرام الآخر؟
وبعبارة أوضح : دار الأمر بين أن يكون التخصيص أفراديّا وأحواليّا معا أو أحواليّا فقط ، والوظيفة في هذا الفرض هو التخيير في إكرام أحدهما ؛ لأنّ مرجع الشكّ في مقدار الخارج عن عموم وجوب إكرام العلماء ، ولا بدّ من الاقتصار على المتيقّن خروجه ، وهو التخصيص الأحوالي فقط ، فلا محيص عن القول بالتخيير ، إلّا أنّ منشأه هو اجتماع دليل العامّ وإجمال دليل الخاصّ بضميمة وجوب الاقتصار على القدر المتيقّن ، وليس التخيير فيه لأجل اقتضاء المجعول له ، بل المجعول في كلّ من العام والخاصّ هو الحكم التعييني ، فالتخيير إنّما نشأ من ناحية الدليل.
ومن الثاني المتزاحمان في مقام الامتثال ، فإنّ التخيير فيهما إنّما هو لأجل أنّ المجعول في باب التكاليف معنى يقتضي التخيير في امتثال أحد المتزاحمين ؛ لأنّه يعتبر عقلا فيها القدرة على الامتثال ، وحيث لا تكون القدرة محفوظة في كليهما فالعقل يستقلّ بالتخيير ، والفرق بين التخيير في هذا القسم والتخيير في القسم الأوّل أنّ التخيير هناك ظاهري وهنا واقعي.
إذا عرفت ذلك فنقول : إنّ القول بالتخيير في باب الاصول لا شاهد عليه ، لا من ناحية الدليل والكاشف ، ولا من ناحية المدلول والمنكشف.
أمّا انتفاء الأوّل فواضح ، فإنّ دليل اعتبار كلّ أصل من الاصول العمليّة إنّما