الواقع ، والآلة تكون مغفولا عنها نوعا.
ولكنّ الالتفات إلى العناوين الغير الملتفتة قد يكون مستلزما لزوال هذه العناوين ، مثل: عنوان النسيان والتجرّي ونحو ذلك ، وقد لا يكون كذلك ، مثل : عنوان العلم ؛ إذ العلم عين الالتفات ، ولذا يقول المتجرّي في جواب سؤال : «ما ذا شربت؟» : شربت الخمر عن علم وعمد ، فيلاحظه استقلالا.
والحاصل : أنّ طريق حرمة التجرّي منحصر بثلاثة طرق :
الأوّل : توجيه الخطاب إلى نفس عنوان التجرّي ، وقد عرفت أنّه ليس بصحيح ؛ إذ لا بدّ في كلّ المحرّمات من إحراز الموضوع ، وهو هنا مستلزم لزوال الموضوع.
الطريق الثاني : ما ذكره المحقّق النائيني قدسسره وهو : أن يكون الخطاب بنحو يعمّ العاصي والمتجرّي ، كقوله : «لا تشرب معلوم الخمريّة» وقد مرّ عن المحقّق النائيني قدسسره (١) أنّه لغو بعد تحقّق الخطاب الأوّلي ، أي «لا تشرب الخمر».
ويرد عليه : أنّ المقصود من معلوم الخمريّة في موضوع الحكم إن كان العلم المخالف للواقع فهذا نظير عنوان المتجرّي ، فإنّ العالم لا يرى علمه مخالفا للواقع ، فلا يصحّ توجّه الخطاب إلى عنوان لا يمكن أن يكون موردا للالتفات أصلا.
وإن كان المراد منه العلم المطابق للواقع فلا يثبت المدّعى ؛ لشموله صورة العصيان فقط ، مع أنّ المدّعى هو حرمة التجرّي.
وإن كان المراد منه مطلق العلم ـ سواء كان مطابقا للواقع أو مخالفا له ـ فهو مستلزم لتعدّد العصيان والعقوبة في صورة موافقة العلم للواقع ، مع أنّه لم يلتزم
__________________
(١) فوائد الاصول ٣ : ٤٥ ـ ٤٦.