ومنها : ما أفاده المحقّق الحائري رحمهالله في كتاب الدرر ، وتوضيحه : أنّ تنجّز التكليف عند العقلاء عبارة عن كونه بحيث يصحّ للمولى الاحتجاج على العبد والمؤاخذة على مخالفته ، وهذا المعنى غير متحقّق في الشبهة الغير المحصورة ؛ لأنّ احتمال الحرام قد بلغ من الضعف إلى حدّ لا يكون موردا لاعتناء العقلاء واعتمادهم عليه ، بل ربّما يعدّون من رتّب الأثر على هذا النحو من الاحتمال سفيها خارجا عن الطريقة العقلائية.
ألا ترى أنّ من كان له ولد في بلد عظيم كثير الأهل ، فسمع وقوع حادثة في ذلك البلد منتهية إلى قتل واحد من أهله ، لو رتّب الأثر على مجرّد احتمال كون المقتول هو ولده فأقام التعزية والتضرّع يعدّ مذموما عند العقلاء ، موردا لطعنهم ، بل لو كان مثل هذا الاحتمال سببا لترتيب الأثر عليه لانسدّ باب المعيشة وسائر الأعمال ، كما هو واضح.
وبالجملة ، فالتكليف وإن كان معلوما لدلالة الإطلاق عليه أو نهوض أمارة شرعيّة على ثبوته ، إلّا أنّ في كلّ واحد من الأطراف أمارة عقلائيّة على عدم كونه هو المحرّم الواقعي ؛ لأنّ احتماله مستهلك في ضمن الاحتمالات الكثيرة على حسب كثرة الأطراف ، ومع بلوغه إلى هذا الحدّ يكون عند العقلاء بحيث لا يكون قابلا للاعتناء أصلا ، وحينئذ فيجوز ارتكاب جميع الأطراف مع وجود هذه الأمارة العقلائيّة بالنسبة إلى الجميع.
هذا ، ولكنّ المحقّق المزبور بعد توجيهه جواز الارتكاب بما يرجع إلى ذلك قال : ولكن فيما ذكرنا أيضا تأمّل ، فإنّ الاطمئنان بعدم الحرام في كلّ واحد واحد بالخصوص كيف يجتمع مع العلم بوجود الحرام بينها وعدم خروجه عنها؟ وهل يمكن اجتماع العلم بالموجبة الجزئيّة مع الظنّ بالسلب