أقول : والتحقيق أيضا يوافق هذا التفصيل ؛ لما مرّ من الوجه في الصورة الاولى ، فإنّه بعد ما علم إجمالا بنجاسة الملاقي ـ بالكسر ـ أو الطرف صار مقتضى هذا العلم تنجّز التكليف بوجوب الاجتناب على أي تقدير ، فلو كان النجس هو الطرف لكان منكشفا بهذا العلم وتنجّز التكليف المتعلّق به بسببه ، وبعد ذلك لا معنى لتأثير العلم الإجمالي بنجاسة الملاقى ـ بالفتح ـ أو الطرف ؛ إذ لا يعقل الانكشاف مرّتين وتنجّز التكليف مرّة بعد اخرى ، كما لا يخفى.
فهذا العلم الإجمالي لا يكون واجدا لشرط التأثير وهو التنجيز على أيّ تقدير ، فالشكّ في نجاسة الملاقى ـ بالفتح ـ شكّ بدوي كالملاقي في الصورة السابقة.
وممّا ذكرنا ظهر أنّ الإشكال إنّما هو من ناحية الطرف لا الملاقي والملاقى : لعدم انكشافه مرّتين وتنجّز التكليف به كذلك ، وحينئذ فلا وقع لما أورده المحقّق النائيني رحمهالله (١) على هذا التفصيل من أنّه لا بدّ من ملاحظة حال المعلوم والمنكشف من حيث التقدّم والتأخّر بحسب الرتبة ، وفي الصورة الثانية تكون رتبة العلم الإجمالي بنجاسة الملاقى ـ بالفتح ـ أو الطرف متقدّمة على العلم الإجمالي بنجاسة الملاقي ـ بالكسر ـ أو الطرف وإن كان حدوثه متأخّرا عن حدوثه ؛ لأنّ التكليف بالملاقى إنّما جاء من قبل التكليف بالملاقي.
وذلك ـ أي وجه عدم الورود ـ ما عرفت من أنّ الإشكال إنّما هو من ناحية الطرف ، لا من ناحية تقدّم أحد العلمين على الآخر حدوثا حتّى يورد عليه بما ذكر.
هذا ، مضافا إلى أنّ هذا الإيراد فاسد من أصله ، والمثال الذي ذكره
__________________
(١) فوائد الاصول ٤ : ٨٦.