ولكن بعد مراجعة الوجدان يتّضح كمال الفرق بين العاصي والمتجرّي كما ذكرناه ، وهذا يقتضي عدم تحقّق العقوبة في التجري أو تعدّدها في المعصية.
وقال صاحب الفصول قدسسره (١) بتداخل العقابين في المعصية.
وأجاب عنه الشيخ الأعظم الأنصاري قدسسره (٢) بأنّه إن اريد بتداخل العقابين وحدة العقاب فلا وجه له ، مع كون التجرّي عنوانا مستقلّا في استحقاق العقاب ؛ لأنّه ترجيح بلا مرجّح.
وإن اريد عقاب زائد على عقاب محض التجرّي فهذا ليس تداخلا ؛ لأنّ كلّ فعل اجتمع فيه عنوانان من القبح يزيد على ما كان فيه أحدهما.
والتحقيق في المسألة : أنّ التجرّي بالمعنى الاصطلاحي لا يكون قابلا للاجتماع مع المعصية ؛ إذ العمل الخارجي إمّا يكون تجرّيا ، وإمّا يكون معصية ، فينتفي موضوع مسألة التداخل ، ولا تصل النوبة إلى البحث من أنّ المقصود من التداخل ما هو ، فعلى فرض مناطيّة الطغيان لاستحقاق العقوبة يكون لكليهما عنوانان مستقلّان للعقاب ، ولا يمكن اجتماعهما في مورد ، فلا مجال لهذا البحث ، من دون فرق بين القول باستحقاق العقوبة في باب التجرّي وعدمه.
ولا وجه لكون الفعل المتجرّى به موجبا لاستحقاق العقوبة ؛ إذ لا قبح فيه ، والاعتقاد المخالف للواقع لا يوجب تبديل عنوان حسنه بعنوان القبح ؛ لعدم تأثير جهل المكلّف وخطأه الاعتقادي في الواقعيّة الخارجيّة عقلا ، ولا نرى وقوع مقطوع الخمريّة منهيّ عنه في الأدلّة ، وبالتالي لا يكون حراما ، فلا دليل على استحقاق العقوبة في الفعل المتجرّى به بعد ما لم يكن قبيحا ولا محرّما.
__________________
(١) الفصول الغروية : ٨٩.
(٢) الرسائل : ٧.