ولكن ذكر صاحب الكفاية قدسسره (١) دليلا آخر لعدم القبح والحرمة واستحقاق العقوبة فيه ، وهو : أنّ الفعل المتجرّى به بما هو مقطوع الحرمة لا يكون اختياريّا ، فإنّ القاطع لا يقصده إلّا بما قطع أنّه عليه من عنوانه الواقعي الاستقلالي ـ كعنوان الخمريّة ـ لا بعنوانه الطارئ الآلي ـ أي عنوان مقطوع الخمريّة ـ بل لا يكون غالبا بهذا العنوان ممّا يلتفت إليه ، فكيف يكون من جهات الحسن أو القبح عقلا ومن مناطات الوجوب أو الحرمة شرعا مع كونه مغفولا عنه؟! ولا يكاد تكون صفة موجبة لذلك إلّا إذا كانت اختياريّة.
ثمّ ذكر في ذيل كلامه بعد القول بعدم إراديّة الإرادة وذاتيّة الكفر والعصيان وعدم اختياريّة السعادة والشقاوة ، أنّه لم يصدر من المتجرّي فعل اختياري ، فإنّ ما أراده من شرب الخمر لم يتحقّق في الخارج ، وما تحقّق فيه من شرب الماء لم يكن مقصودا له.
ونصّ كلامه أنّه : بل عدم صدور فعل منه في بعض أفراده بالاختيار ـ كما في التجرّي ـ بارتكاب ما قطع أنّه من مصاديق الحرام ، فلا معنى للحكم بقبح الفعل المتجرّى به ، أو حرمته أو استحقاق العقوبة عليه.
ولكن لا شكّ في بطلان هذا الكلام ؛ إذ الوجدان حاكم بأنّه ليس كالمكره ؛ لصدور شرب المائع عنه عن اختيار ، وإن لم يصدر شرب الماء منه اختيارا ، ولازم كلامه قدسسره عدم بطلان الصوم من شرب مقطوع الخمريّة إذا كان في الواقع ماء ؛ لعدم صدور أيّ فعل اختياري منه ، وهذا ليس قابلا للالتزام ، فلا يصحّ هذا الاستدلال.
والحاصل : أنّه لا يتحقّق في الفعل المتجرّي به جهة مقبّحة ، ولا يدلّ دليل
__________________
(١) حاشية الرسائل : ١٣ ، كفاية الاصول ٢ : ١٤ ـ ١٦.