ويمكن أن يتوهّم أنّ الكفر والإيمان والسعادة والشقاوة لا تكون من قبيل أجزاء الماهيّة ولوازمها ، بل تكون من قبيل الوجود وعوارضه ، فكما أنّ وجود الإنسان ليس باختياري له كذلك قصر قامته وسواد لونه وكونه جميلا ونحو ذلك ، وهكذا سعادته وشقاوته وإيمانه وكفره يكون من الامور الغير الاختياريّة له ، فالسعيد لا بدّ وأن يكون سعيدا ، والشقيّ لا بدّ وأن يكون شقيّا ولعلّ قول الشاعر ناظرا إلى هذا المعنى :
گليم بخت كسى را كه بافتند سيا |
|
به آب زمزم وكوثر سفيد نتوان كرد |
وفيه : أنّ عروض الحالات المتضادّة والمختلفة للإنسان في طول حياته أقوى دليل على عدم صحّة التشبيه المذكور ، كما يستفاد من قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ ...)(١).
وهذا دليل على أنّ الإيمان والكفر لا يكونا من قبيل قصر القامة الذي لا ينفك عن الإنسان إلى آخر العمر.
ولكن عرفت أنّ الإنسان مع كونه مختارا في أعماله وأفعاله لا يكون مستقلّا فيها ، فعبارة «بحول الله أقوم وأقعد» يعني صدور القيام والقعود يكون عن اختيار ، مع استنادهما إلى قدرة الله تعالى وقوّته ؛ ومن هنا يقول تبارك وتعالى في القرآن : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى)(٢) ، وعدم الاستقلال ليس بمعنى الإجبار وعدم الاختيار ، فلا يصحّ المقايسة بين الكفر والإيمان وعوارض الوجود مثل قصر القامة ، والحاكم بالفرق بينهما هو الوجدان
__________________
(١) النساء : ١٣٧.
(٢) الأنفال : ١٧.