والإطلاق متقوّم بلحاظ السريان ، ولحاظ القيد ولحاظ السريان أمران وجوديّان متضادّان ، وعلى المعنى الذي ذكرناه يكون التقابل بينهما تقابل الإيجاب والسلب.
وإن كان المراد من الإطلاق عدم لحاظ شيء في متعلّق الحكم مع كونه قابلا له فحينئذ وإن كان التقابل بينه والتقييد اللحاظي تقابل العدم والملكة ، إلّا أنّنا لا نسلّم ما رتّبه قدسسره على ذلك بنحو القضيّة الكلّية من أنّه كلّما امتنع التقييد امتنع الإطلاق أيضا ، فإنّ امتناع التقييد قد ينشأ من عدم قابليّة نفس الموضوع وقصوره عن ذلك ، فحينئذ بامتناع التقييد يمتنع الإطلاق أيضا ، كما في مثل البصر والعمى بالنسبة إلى الجدار ، وقد ينشأ امتناع التقييد لأمر خارج عن نفس الموضوع مع كون الموضوع في نفسه قابلا ومستعدّا له ، ففي هذه الصورة لا يلزم من امتناع التقييد امتناع الإطلاق أيضا كما هو واضح ، وذلك لاختصاص المانع بالتقييد دون الإطلاق ، وهذا مثل ما نحن فيه ؛ إذ المانع من التقييد هو الدور ، فلا يلزم من استحالة التقييد استحالة الإطلاق ؛ لعدم تحقّق الدور في مورده.
القول الثالث : ما اختاره استاذنا السيّد الإمام قدسسره (١) من التفصيل بين ما إذا أخذ القطع تمام الموضوع أو جزئه ، بإمكان الأوّل واستحالة الثاني ، أمّا في القطع المأخوذ جزء الموضوع فامتناعه يلزم الدور ، فإنّ الحكم يتوقّف على موضوعه ، والموضوع يتوقّف على الحكم بلحاظ كون الواقع جزء الموضوع ، فالحكم يتوقّف على نفسه ، بخلاف ما إذا اخذ القطع تمام الموضوع ؛ لأنّ الحكم وإن كان يتوقّف على القطع لتوقّف كلّ حكم على موضوعه ، إلّا أنّه لا يتوقّف
__________________
(١) تهذيب الاصول ٢ : ٢٧.