كَرِيمٌ (٧٧) فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ (٧٨)) أي اللوح المحفوظ ، أو المصحف على اختلاف القولين؟
قلنا : معناه مكتوب في كتاب مكنون ، ولا يلزم ، من كتابة القرآن في الكتاب ، أن يكون القرآن حالا في الكتاب ، كما لو كتب إنسان على كفه : «ألف دينار» ، لا يلزم منه وجود ألف دينار في كفّه ، وكذا لو كتب في كفّه العرش أو الكرسي ، وكذا وكذا ، قال تعالى في صفة النبي (ص) : (يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ) [الأعراف : ١٥٧]. الثاني : أن القرآن لو كان حالّا في المصحف ، فإما أن يكون جميعه حالّا في مصحف واحد ، أو في كلّ مصحف ، أو في بعضه ؛ ولا سبيل إلى الأول ، لأن المصاحف كلّها سواء في الحكم في كتابته فيها ، ولأنّ البعض ليس أولى بذلك من البعض ؛ ولا سبيل إلى الثاني ، وإلّا يلزم تعدّد القرآن ، وإنّه متّحد ؛ ولا سبيل الى الثالث ، لأنّه كلّه مكتوب في كلّ مصحف ، ولأنّ هذا المصحف ليس أولى بهذا البعض من ذلك المصحف ؛ وكذا الباقي ، فثبت أنه ليس حالا في شيء منها ، بل هو كلام الله تعالى ، وكلامه صفة قديمة قائمة به سبحانه لا تفارقه.
فإن قيل : فإذا لم تفارقه ، فلم سمّاه تعالى منزلا وتنزيلا ، وقال سبحانه (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ) (١٩٣) [الشعراء] ونظائره كثيرة ، وإذا فارقه ، وباينه ، يكون مخلوقا ، لأنّ كل مباين له فهو غيره ، وكلّ ما هو غيره هو مخلوق؟
قلنا : معنى إنزاله أنه ، سبحانه وتعالى ، علّمه لجبريل فحفظه ، وأمره أن يعلّمه للنبي (ص) ويأمره أن يعلّمه لأمّته ، مع أنه لم يزل ، ولا يزال ، صفة الله تعالى ، قائمة به لا تفارقه.