فإن قيل : قوله تعالى بعد ذلك تعظيم للملائكة ومظاهرتهم ، وقد تقدّمت نصرة الله تعالى وجبريل وصالح المؤمنين ، ونصرة الله سبحانه أعظم؟
قلنا : مظاهرة الملائكة من جملة نصرة الله تعالى ، فكأنّه فضل نصرته بهم على سائر وجوه نصرته لفضلهم وشرفهم ، ولا شكّ أنّ نصرته بجميع الملائكة أعظم من نصرته بجبريل وحده ، أو بصالح المؤمنين.
فإن قيل : كيف قال تعالى : (عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ) [الآية ٥] إلى آخر الآية ، فأثبت الخيريّة لهنّ باتصافهنّ بهذه الصفات ، وإنّما تثبت لهن الخيريّة بهذه الصفات لو لم تكن تلك الصفات ثابتة في نساء النبي (ص) وهي ثابتة فيهن؟
قلنا : المراد به «خيرا» منكن في حفظ قلبه ومتابعة رضاه ، مع اتصافهن بهذه الصفات المشتركة بينكنّ ، وبينهنّ.
فإن قيل : لم أخليت الصفات كلها عن الواو ، وأثبتت بين الثيبات والأبكار؟
قلنا : لأنهما صفتان متضادتان لا تجتمعان فيهن اجتماع سائر الصفات ، فلم يكن بد من الواو ، ومن جعلها واو الثمانية فقد سها ، لأن واو الثمانية لا يفسد الكلام بحذفها بخلاف هذه.
فإن قيل : هذه الصفات إنما ذكرت في معرض المدح ، وأي مدح في كونهن ثيّبات؟
قلنا التثييب مدح من وجه ، فإن الثّيب أقبل للميل بالنقل ، وأكثر تجربة وعقلا ، والبكارة مدح من وجه ، فإنها أطهر وأطيب وأكثر مراغبة وملاعبة.
فإن قيل : ما الحكمة في قوله تعالى : (وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) (٦) ، بعد قوله سبحانه : (لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ)؟
قلنا : قيل : المراد بالأمر الأول الأمر بالعبادات والطاعات ، وبالأمر الثاني الأمر بتعذيب أهل النار ، وقيل هو تأكيد.
فإن قيل : لم قال تعالى : (تَوْبَةً نَصُوحاً) [الآية ٨] ولم يقل توبة نصوحة؟
قلنا : لأن «فعولا» من أوزان المبالغة الذي يستوي في لفظه الذكور والإناث كقولهم : امرأة صبور وشكور ونحوهما.