[٤٢ ـ ٤٧] (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ (٤٢) خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ (٤٣) فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (٤٤) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (٤٥) أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (٤٦) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (٤٧))
(يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ) أي : اذكر يوم يشتدّ الأمر وتتفاقم شدته بحيث لا يمكن وصفها بمفارقة المألوفات البدنية والملاذ الحسية وظهور الأهوال والآلام النفسية بالهيئات الموحشة والصور المؤذية (وَيُدْعَوْنَ) على لسان الملكوت للجنسية الأصلية والمناسبة الفطرية (إِلَى) سجود الإذعان والانقياد لقبول الأنوار الإلهية والإشراقات السبوحية (فَلا يَسْتَطِيعُونَ) الانقياد والإذعان لقبولها لزوال استعدادهم الأصلي بالهيئات المظلمة واحتجابهم بالغواشي الجسمانية والملابس الهيولانية (خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ) ذليلة متحيرة لذهاب قوتها النورية وعدم قدرتها على النظر إلى عالم النور وبعدها عن إدراك الشعاع مفيد السرور (تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ) الركون إلى السفليات والركود إلى خساسة الانفعاليات وملازمة الطبيعيات (وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ) عند بقاء الاستعداد ووجود الآلات (إِلَى) سجود الانقياد بتهيئة الاستعداد لقبول الإمداد من عالم الأنوار (وَهُمْ سالِمُونَ) الاستعداد متمكنون على إحراز السعادة في المعاد.
[٤٨ ـ ٥٢] (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ (٤٨) لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (٤٩) فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٥٠) وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (٥١) وَما هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (٥٢))
(فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ) بسعادة من سعد وشقاوة من شقي ونجاة من نجا وهلاك من هلك وهداية من اهتدى وضلال من ضلّ (وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ) في استيلاء صفات النفس عليه وغلبة الطيش والغضب والاحتجاب عن حكم الربّ حتى ردّ عن جناب القدس إلى مقر الطبع (فَالْتَقَمَهُ) حوت الطبيعة السفلية في مقام النفس وابتلى بالاجتنان في بطن حوت الرحم (إِذْ نادى) ربّه لقهر قومه وإهلاكهم لفرط الغضب عن مقام النفس لا بإذن الحق (وَهُوَ) ممتلئ غيظا (لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ) كاملة (مِنْ رَبِّهِ) بالهداية إلى الكمال لبقاء سلامة الاستعداد وعدم رسوخ الهيئة الغضبية والتوبة عن فرطات النفس والتنصل عن صفاتها (لَنُبِذَ بِالْعَراءِ) أي : بظاهر عالم الحسّ وطرد من جناب القدس بالكلية وترك في وادي النفس (وَهُوَ مَذْمُومٌ) موصوف بالرذائل مستحق للإذلال والخذلان ، محجوب عن الحق ، مبتلى بالحرمان ، ولكنه اجتباه (رَبُّهُ) برحمته لمكان سلامة فطرته وبقاء نوره الأصلي فقرّبه إليه وجمعه إلى ذاته بإلقاء كلمة التوحيد إليه وإيصاله إلى مقام الجمع (فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) لمقام النبوّة بالاستقامة حال البقاء بعد الفناء في عين الجمع ، والله تعالى أعلم.