شاهدت إحاطة علمه بالكل ، فاكتفيت به عن سؤاله في دفع جناياتهم عنك وجزاء إيذائهم لك ، وشاهدت قدرته على مجازاتهم ، كما قال إبراهيم عليهالسلام : «حسبي من سؤالي علمه بحالي». وذلك معنى قوله : (وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراًالَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) أي : احتجب بسماوات الأرواح وأرض الأجسام (وَما بَيْنَهُما) من القوى في الأيام الستة التي هي الآلاف الستة من ابتداء زمان آدم إلى محمد عليهماالسلام ، لأن الخلق ليس إلا احتجاب الحق بالأشياء والأيام هي أيام الآخرة لا أيام الدنيا ، إذ لم تكن الدنيا ثمة ولا الشمس والنهار (وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) (١).
(ثُمَّ اسْتَوى عَلَى) عرش القلب المحمدي في السابع الذي هو يوم الجمعة ، أي : يوم اجتماع جميع الأوصاف والأسماء فيه ، وذلك هو معنى الاستواء في الاستقامة بالظهور التامّ والفيض العام الذي هو الرحمة الرحمانية ولهذا جعل فاعل الاستواء اسم الرحمن دون اسم آخر إذ لا يكون الاستواء بمعنى الظهور التام إلا به ، ويمكن أن تؤوّل الأيام بالشهور الستة التي يتمّ فيها خلق سموات أرواح الجنين وأرض جسده وما بينهما من القوى والاستواء بالظهور التام على عرش قلبه الذي كان على ماء النطفة قبل خلقه ما خلق في الشهر السابع الذي أنشأه فيه خلقا آخر بحصوله إنسانا ، والرحمانية بعموم فيضه المعنويّ والصوريّ من قلبه إلى جميع أجزاء وجوده (فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً) اسأل عارفا به يخبرك بحاله واسأله في حالة كونه عالما بكل شيء.
[٦٠] (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا وَزادَهُمْ نُفُوراً (٦٠))
(وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا) أي : إذا أمرتهم بالفناء في جميع صفاته وطاعته بها أنكروا ولم يمتثلوا أمرك لقصور استعدادهم عن قبول هذا الفيض وعدم معرفتهم لهذا الاسم لعدم احتظائهم من جميع الصفات أو وجود احتجابهم عنها.
[٦١ ـ ٦٣] (تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً (٦١) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً (٦٢) وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً (٦٣))
(تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي) سماء النفس بروج الحواس (وَجَعَلَ فِيها) سراج شمس الروح وقمر القلب (مُنِيراً) بنور الروح (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ) ليل ظلمة النفس ، ونهار نور القلب يعتقبان (لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ) في نهار نور القلب العهد المنسي وينظر في المعاني والمعارف ويعتبر (أَوْ أَرادَ) في ليل ظلمة النفس (شُكُوراً) بأعمال الطاعات واكتساب الأخلاق والملكات (وَعِبادُ الرَّحْمنِ) أي : المخصوصون بقبول فيض هذا الاسم لسعة الاستعداد
__________________
(١) سورة الحج ، الآية : ٤٧.