وأما إذا فرض أن الأمر دائر بين مفهومين متباينين ، ولكن أحدهما أوسع صدقا من الآخر في عالم الصدق ، فمثلا لا ندري هل أن كلمة «إنسان» ، موضوعة للحيوان الناطق ، أو للشاعر ، فالحيوان الناطق مع الشاعر مفهومان متباينان ، وإن كان أحدهما أوسع صدقا من الآخر ، فإن الشاعر لا يكون شاعرا ، إلّا بعد أن يكون إنسانا ، وعند ذلك ، أخذ هذا المفهوم مشكوك ، وأخذ ذاك المفهوم مشكوك ، فالأمر دائر بين لحاظين لأمرين متباينين ، لا بين الأقل والأكثر كما هو الحال في الغرض السابق ، وعندئذ ، فاستصحاب عدم ملاحظة الشاعر يعارض باستصحاب عدم ملاحظة الناطق.
والمقام في بحث المشتق من هذا القبيل ، فلا يوجد في المقام مفهوم واحد ملحوظ على كل حال ، ويدور الأمر بين مطلقه ومقيّده ، بل في المقام مفهومان متباينان ، أحدهما المتلبس بالمبدإ ، والآخر مفهوم الذات مع الفعل الماضي ، على ما تقدم ، ومن المعلوم أن الذات المقيدة بمفاد فعل الماضي ، مع الذات المقيدة بفعلية التلبّس ، مفهومان متباينان في عالم المفهومية ، فليست النسبة بينهما نسبة الأقل والأكثر ، حتى يقال بأن الأقل متيقن والزائد مشكوك ، إذن فلا معنى لإجراء استصحاب عدم ملاحظة الخصوصية ، لأن الأمر دائر بين المتباينين في عالم المفهومية ، وإن كان بينهما عموم وخصوص مطلق في عالم الصدق.
الوجه الثاني :
أنه لم سلّمنا بأن في المقام يوجد مفهوم واحد ملحوظ ، إمّا بمطلقه ، وإمّا بمقيّده ، ولكن استصحاب عدم الخصوصية ، إنما يكون له صورة ، بناء على أن التقابل بين الإطلاق والتقييد تقابل السلب والإيجاب ، ولكن على مبنى التضاد ومبنى تقابل العدم والملكة ، فإن هذا الكلام لا يجري في المقام.
وتوضيح ذلك أن الإطلاق والتقييد فيه ثلاثة مباني.
المبنى الأول : أن التقابل بين الإطلاق والتقييد تقابل السلب والإيجاب