الإسلامية بآرائه مقتلعاً جذور الفكرة الأخبارية بإفاداته ، رحم الله الماضين من علمائنا وحفظ الباقين منهم.
__________________
الأوروبيّة ، لاختلافهما في الظّروف التي ساعدت على نشوء كلّ منهما ، فإنّ الاتجاهات الحسيّة والتجريبيّة في نظريّة المعرفة قد تكوّنت في فجر العصر العلميّ الحديث لخدمة التجربة وإبراز أهميّتها ، فكان لديها الاستعداد لنفي كلّ معرفة عقليّة منفصلة عن الحسّ. وأمّا الحركة الأخباريّة فكانت ذات دوافع دينيّة ، وقد اتّهمت العقل لحساب الشرع لا لحساب التجربة ، فلم يكن من الممكن أن تؤدّي مقاومتها للعقل إلى إنكار الشريعة والدّين.
ولهذا كانت الحركة الاخباريّة تستبطن ـ في رأي كثير من ناقديها ـ تناقضاً ، لأنّها شجبت العقل من ناحية لكي تخلّي ميدان التّشريع والفقه للبيان الشرعيّ ، وظلّت من ناحية أُخرى متمسّكة به لإثبات عقائدها الدينيّة ، لأنّ إثبات الصّانع والدّين لا يمكن أن يكون عن طريق البيان الشرعيّ ، بل يجب أن يكون عن طريق العقل.
ومن العلماء الّذين نهجوا هذا المنهج تقريباً «السيّد نعمة الله الجزائري» و «الشيخ يوسف البحراني» وهذا كانت له طريقة معتدلة ولم يكن بتلك الحدّة التي كان عليها الاسترآباديّ ، ومثلهما «ملّا محسن الفيض الكاشاني» و «الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العامليّ» وكلّ هؤلاء من علماء الشيعة ومفاخرهم لكنّهم نهجوا في الفقه ذلك المنهج ولم يكونوا في تلك الشدّة التي كان عليها الاسترآباديّ.
واستمرّت هذه الفكرة حتى القرن الثّالث عشر فوصلت إلى ذروتها ، ولكنّها أخذت تنهار بعد أن وقف أمامها المحقّق محمّد باقر بن محمّد أكمل المعروف ب ـ «الوحيد البهبهانيّ» وقد ولد في اصفهان سنة (١١١٨ ه ـ) ويقول الخوانساريّ في حقّ البهبهانيّ :
«كان مروّج رأس المائة الثالثة عشرة من الهجرة المقدّسة ، ارتفعت بميامن تأييداته المتينة أغبرة آراء الأخباريّة ، كما أنّه انطمست آثار البدع من جماعة الملاحدة والغلاة والصّوفيّة.
وقد سمّي ب ـ «آية الله تعالى من غاية الكرامة له ، كما سمّي من قبله العلّامة ب ـ «آية الله». (روضات الجنات : ٢ / ٩٤).
ويقول أيضاً : «قد كانت بلدان العراق سيّما المشهدين الشّريفين مملوءة قبل قدومه من معاشر الأخباريّين ، بل ومن جاهليهم والقاصرين حتّى إنّ الرّجل منهم كان إذا أراد حمل كتاب من كتب فقهائنا حمله مع منديل ، وقد أخلى الله البلاد منهم ببركة قدومه واهتدى المتحيّرة في الأحكام بأنوار علومه» (روضات الجنات : ٢ / ٩٤).
توفيّ المحقّق البهبهاني عام (١٢٠٦ ه ـ) ودفن في الرّواق المطهّر الحسينيّ (عليهالسلام) قريباً ممّا يلي أرجل الشّهداء. (ترجم في روضات الجنات : ٢ / ٩٤). راجع المعالم الجديدة للأُصول ـ الشّهيد السيّد الصدر : ٤٢ ـ ٤٥ وعلم الأُصول تاريخاً وتطوّراً : ١٦٨ ـ ١٧٤.