والأصل بقاء الحجيّة.
ثمّ إنّه (قدسسره) تفطّن لما ذكر وقال :
«لا يقال : نعم الاعتقاد والرّأي وإن كان يزول بالموت ، لانعدام موضوعه إلّا أنّ حدوثه في حال حياته كاف في جواز تقليده في حال موته ، كما هو الحال في الرّواية.
فإنّه يقال : لا شبهة في أنّه لا بدّ في جوازه من بقاء الرّأي والاعتقاد ، ولذا لو زال بجنون أو تبدّل ونحوهما ، لما جاز قطعاً» (١).
يلاحظ عليه : أنّ الفتوى كالرّواية ، فإنّ الجزم حين الإفتاء أو الإخبار بأنّه حكم الله ، يعني جعلهما حجّة ، ولذا لو تردّد الرّاوي بعد فترة من النقل في صحّة جزمه حين الإخبار سقطت الرواية عن الاعتبار ، والفرق بين الرّواية والفتوى في كون الأوّل نقلاً للحكم بلا إمعان النظر بخلاف الثاني وإن كان صحيحاً ، لكنّ المناط في كليهما لعروض الحجيّة واحد وهو الجزم حين الإخبار أو الإفتاء.
وأمّا الاستشهاد على أنّ حجيّة الفتوى تدور مدار بقاء الرّأي لعدم جواز تقليد من زال رأيه بالتّبدل أو بعروض الجنون أو الهرم الموجب للنّسيان ، فليس بتامّ ، لأنّ حجيّة كلّ من الرّواية والفتوى مقيّدة بعدم انكشاف الخلاف ، ولذا لو شكّ الرّاوي في صحّة جزمه بعد النّقل لسقطت الرّواية عن الحجيّة. وأمّا عدم جواز تقليد من عرض عليه الجنون أو النّسيان ، فلسقوط المفتي عن الأنظار عند عروضهما ، ولصيانة المرجعيّة الدينيّة عن الوهن ، فلذلك منع من تقليدهم ، وهذا بخلاف الموت فإنّه لا يعدّ وهناً بل انتقالاً من دار إلى دار وهنيئاً لمن أخذ من ممرّه لمقرّه ، هذا وقد ذكرنا في مبحث المشتقّ أنّ موضوع الأحكام على قسمين :
__________________
(١) كفاية الأُصول : ٢ / ٤٧٨ ، تحقيق مؤسّسة آل البيت (عليهمالسلام).