حين الإفتاء بأنّ هذا حكم الله يجعل الفتوى حجّة دائماً وإن مات وذهب جزمه وظنّه.
وبالجملة : انّ ظنّه أو جزمه في حال الإخبار والإفتاء من قبيل الواسطة في الثبوت (١) لا العروض ، فلا يتوقّف ثبوت الحجيّة أو جواز العمل به ، على وجود الواسطة دائماً ، وإنّما يكفي وجودها آناً ما ، في إضفاء وصف الحجيّة عليه وجواز العمل به.
وأورد المحقّق الخراساني (رضي الله عنه) على الاستصحاب بأنّه لا مجال له وقال :
«لعدم بقاء موضوعه عرفاً ، لعدم بقاء الرّأي معه ، فإنّه متقوّم بالحياة ، بنظر العرف ، وإن لم يكن كذلك واقعاً ، حيث إنّ الموت عند أهله موجب لانعدام الميّت ورأيه ، ولا ينافي ذلك صحّة استصحاب بعض أحكام حال حياته ، كطهارته ونجاسته وجواز نظر زوجته إليه ، فإنّ ذلك إنّما يكون فيما لا يتقوّم بحياته عرفاً بحسبان بقائه ببدنه الباقي بعد موته ، وإن احتمل أن يكون للحياة دخل في عروضه واقعاً ، وبقاء الرّأي لا بدَّ منه في جواز التَّقليد قطعاً ، ولذا لا يجوز التَّقليد فيما إذا تبدّل الرّأي أو ارتفع ، لمرض أو هرم إجماعاً» (٢).
يلاحظ عليه : أنّه عبارة أُخرى عمّا ذكره الشيخ (رضي الله عنه) والاختلاف في التعبير عن موضوع المستصحب ، فعبر عنه الشيخ (رضي الله عنه) بالظنّ والمحقّق الخراساني (رضي الله عنه) بالرّأي ، ويرد عليه ما أوردناه على كلام الشيخ (رضي الله عنه) وأنّ العبرة بالرأي لكونه طريقاً إلى الواقع ، ولا يشترط في طريقيّته كونه موجوداً وباقياً بل يكفي الوجود في زمن ما ،
__________________
(١) الواسطة الثبوتيّة وهي العلّة لوجود شيء ، كعلّية النّار للحرارة والماء للبرودة. ويقابلها الواسطة الإثباتيّة والعروضيّة ، والأُولى هي العلّة للعلم بوجود شيء كعلّية الدّخان للعلم بوجود النّار. والثّانية هي الواسطة في الحمل الموجبة لصحّة إسناد عرض إلى غير معروضة مجازاً كإسناد الحركة إلى الجالس في السفينة.
(٢) كفاية الأُصول : ٢ / ٤٧٧ ، تحقيق مؤسسة آل البيت (عليهمالسلام).