عن الحكم الكليّ والحجيّة الكليّة المجعولة على عنوان المكلّفين على نحو القضيّة الحقيقيّة. نعم يحتمل دخالة حياة المفتي في بقاء الحكم ، وبما أنّها ليست مقوّمة للموضوع فتستصحب حجيّة الفتوى الصادرة على عنوانها الكليّ ، وانطباقه على المكلّف المستصحب أمر قهريّ عقليّ ، ومع ثبوت الحكم الكليّ واستمراره إلى زمان المكلّف المستصحب ، انطبق الحكم المستصحب عليه بلا إشكال (١).
هذا كلّه حول الأوّل ، وأمّا الثّاني أي الشكّ في البقاء ، فربّما يقال بعدم الشكّ في البقاء لأنّه فرع بقاء الموضوع وهو ليس بباق ، قال الشيخ الأنصاري (قدّه) : «إنّ المناط هو الظنّ وهو مرتفع بعد الموت ، فلا أقلّ إمّا من الشكّ في بقائه أو ارتفاعه ، على تقدير تسليم كون الموضوع هو الظنّ ، وإمّا من الشكّ في تعيين الموضوع ، وعلى التقديرين لا مسرح للاستصحاب» ثمّ أورد على نفسه بأنّ الموضوع هو : «القول الّذي لا يعقل فيه القول بالارتفاع والبقاء ، ضرورة أنّه من الأُمور غير القارّة التي وجودها عبارة عن حدوثها ، ولا بقاء لها ، وكذلك فإنّها في وجه غير معقول البقاء ، وفي وجه غير معقول الارتفاع» فأجاب بأنّه «لا إشكال عند القائلين بالفتوى والتقليد والاجتهاد ، أنّ المدار في الفتوى هو الظنّ ، ولذلك لو زالت الملكة أو تغير اجتهاده وإن لم يكن هناك قول لا يجوز التعويل على القول السابق» (٢).
يلاحظ عليه : أنّه لا فرق بين نقل الرّواية والفتوى ، فكما أنّ جزم الرّاوي في حال الإخبار ، يجعل الرّواية حجّة وإن مات ، ومات جزمه ، فكذلك جزم المفتي
__________________
(١) الاستصحاب المذكور إنّما ينتج فيما إذا كان الميّت أعلم من جميع المجتهدين الأحياء ، أو أنّه لم تعلم المخالفة بينه وبينهم إذا لم يكن أعلم. هذا وأورد على هذه الدَّعوى بعدم تصحيحها الاستصحاب حيث إنّ ما شأنه الاستمرار بمجرَّد الحدوث لا يحتاج في استمراره إلى الاستصحاب ، إذ هو بمجرَّد حدوثه يكون يقينيّ البقاء دائمياً ، ولا معنى للشكّ في بقائه ، لأنَّ اليقين بحدوثه يلازم اليقين ببقائه ، وإلّا لما كان ممّا يكفي في استمراره وبقائه دائماً حدوثه آناً ما.
(٢) مطارح الأنظار : ٢٦٣ ـ ٢٦٤.