والإشكال والجواب في الجميع واحد.
مثلاً لو شكّ في شمول قوله سبحانه : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ...) (آل عمران ـ ٩٧) لمن لم يدركوا زمن النّزول ، فإنّ المستصحب ليس الوجوب الجزئيّ المتعلّق بشخص المكلّف المقيّد بكونه موجوداً حين النزول حتى لا يصح الاستصحاب إلّا بنحو التعليق منه ، بل المستصحب هو الحكم الكليّ المتعلّق بعنوان المكلّف ، وإثبات بقائه به كاف في كونه حجّة عليه أيضاً لكونه من مصاديق النّاس.
وبذلك يظهر عدم تماميّة ما ذكره المحقّق الخوئيّ (رضي الله عنه) حيث قال : «إنّ المراد بالحجيّة المستصحبة إن كان هو الحجيّة الفعليّة ، فلا يقين بحدوثها ، لأنّ المتيقّن عدم الحجيّة الفعليّة بالإضافة إلى العاميّ المتأخّر عن عصر المجتهد الميّت ، لوضوح أنّ الفعليّة إنّما تتحقّق بوجود المكلف العاميّ في عصر المجتهد ، والمفروض عدم تحقّقه ، فليست فتاوى الميّت حجّة فعلية على العاميّ غير الموجود في عصره لتستصحب حجيّتها الفعليّة. وإن أُريد بها الحجيّة التعليقيّة أعني الحجيّة الشأنيّة ، فهي وإن كانت متيقّنة على الفرض ، إلّا أنّها ليست بمورد للاستصحاب ، وذلك للشكّ في سعة دائرة الحجيّة الشأنيّة وضيقها وعدم العلم بأنّها هي الحجيّة على خصوص من أدرك المجتهد وهو حيّ ، أو أنّها تعمّ من لم يدركه كذلك ، وبعبارة أُخرى : إنّا نشكّ في أنّ حجيّة رأي المجتهد وفتواه مقيّدة بحالة حياته أو أنّها غير مقيّدة بها ، فلا علم لنا بثبوت الحجيّة الشأنيّة بعد الممات ليمكن استصحابها حتى على القول بجريان الاستصحاب في الأحكام ...» (١).
ووجه ظهور عدم التماميّة : إنّ المختار هو الشقّ الأوّل وهو استصحاب الحكم المنجّز ولكنّه ليس الحكم الجزئيّ المتوقّف على وجود المكلّف ، بل هو عبارة
__________________
(١) التنقيح في شرح العروة الوثقى : ١ / ١٠٣.