فنقول : إنّ جواز الرّجوع والتّقليد منحصر في من عرف الأحكام واستخرجها من الأدلّة الشّرعية المتعارفة المقرّرة ، ولا يشمل الواقف على الحكم من الطرق غير المألوفة والمعهودة ، كالرّمل والجفر والاسطرلاب (١) ، وذلك لانصراف الأدلّة عن مثله.
نعم يبقى هنا بحث وهو : هل يجوز تقليد المجتهد القائل بالانسداد أو لا؟
نقول :
هذا هو الّذي عنونه صاحب الكفاية في المقام بعد تقسيم الاجتهاد إلى المطلق والمتجزّي ، وكان عليه أن يبحث فيه قبل ذلك التقسيم ، فإنّه (رحمهالله) سوف يتعرض لأحكام المتجزّي ، وقد اختار ـ قدّه ـ عدم الجواز ، واستدل عليه :
أوّلاً : أنّ المجتهد الانسداديّ إمّا أن يقول بحجيّة الظنّ من باب الحكومة أو من باب الكشف ، فعلى الأوّل ليس هو عالماً بالأحكام الشرعية ، لأنّ معناه هو أنّ الاحتياط المطلق في المظنونات والمشكوكات والموهومات لمّا كان أمراً حرجيّاً أو مخلاً للنّظام ، استقلّ العقل حينئذ بالتبعيض في الاحتياط بتقديم المظنونات على غيرها ، فيكون العمل بالظنّ عملاً بالاحتياط ، وهو ليس علماً بالحكم الشّرعيّ ، فلا يشمله دليل التقليد الذي يركز على رجوع غير العالم إلى العالم ، بل هو أشبه برجوع غير العالم إلى مثله.
وثانياً : أنّ مقتضى مقدّمات الانسداد ليست إلّا حجيّة الظّن عليه لا على غيره (٢) ، فلا بدّ في حجيّة اجتهاد مثله على غيره من التماس دليل آخر غير دليل التقليد ، وغير دليل الانسداد الجاري في خصوص حقّ المجتهد.
__________________
(١) منجد اللّغة : ص ١٠ ـ ١١ مادّة : أسط : الأسطرلاب : آلة رصد قديمة ، لقياس مواقع الكواكب وساعات الليل والنّهار وحلّ شتى القضايا الفلكيّة ، وهو أنواع : مسطّح ، أكري ، خطي (يونانيّة).
(٢) هذا الدّليل مشترك بين القول بالحكومة والكشف ، وسيعود (قدسسره) إليه أيضاً عند الكلام في جواز الرّجوع إلى المجتهد القائل بالكشف.