فإنّ الظاهر من صدرها إلى قوله ـ عليهالسلام ـ «قاضياً» هي المنازعات التي يرجع فيها إلى القضاة ، ومن تحذيره بعد ذلك من الإرجاع إلى السلطان الجائر ، وجعله مقابلاً للأوّل بقوله ـ عليهالسلام ـ : «وإيّاكم ...» هي المنازعات التي يرجع فيها إلى السلطان لرفع التجاوز والتّعديّ لا لفصل الخصومة. انتهى (كتاب البيع : ٢ / ٤٧٩ و ٤٨٠).
هذا وإنّ الإمام الخميني (ره) جعل العمدة في لزوم الحكومة والولاية هو حكم العقل ، وأنّ ما هو دليل الإمامة بعينه دليل على لزوم الحكومة بعد غيبة وليّ الأمر ـ عجل الله فرجه الشريف ـ قال (ره) في كتاب البيع : ٢ / ٤٦١ : «إنّ الأحكام الإلهيّة سواء الأحكام المربوطة بالماليات أو السياسيّات أو الحقوق لم تنسخ ، بل تبقى إلى يوم القيامة ، ونفس بقاء تلك الأحكام يقضي بضرورة حكومة وولاية تضمن حفظ سيادة القانون الإلهيّ وتتكفّل لإجرائه ، ولا يمكن إجراء أحكام الله إلّا بها ، لئلّا يلزم الهرج والمرج ، مع أنّ حفظ النظام من الواجبات الأكيدة ، واختلال أمور المسلمين من الأمور المبغوضة ، ولا يقوم ذا ، ولا يسدّ عن هذا إلّا بوال وحكومة. مضافاً إلى أنّ حفظ ثغور المسلمين عن التهاجم وبلادهم عن غلبة المعتدين واجب عقلاً وشرعاً ، ولا يمكن ذلك إلّا بتشكيل الحكومة ، وكلّ ذلك من أوضح ما يحتاج إليه المسلمون ، ولا يعقل ترك ذلك من الحكيم الصانع ، فما هو دليل الإمامة بعينه دليل على لزوم الحكومة ، بعد غيبة وليّ الأمر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) سيّما مع هذه السنين المتمادية ... فهل يعقل من حكمة الباري الحكيم إهمال الملّة الإسلاميّة وعدم تعيين تكليف لهم؟ أو رضي الحكيم بالهرج والمرج واختلال النّظام؟ ولم يأت بشرع قاطع للعذر لئلّا تكون للنّاس عليه حجّة.
وما ذكرناه وإن كان من واضحات العقل ، فإنّ لزوم الحكومة لبسط العدالة والتعليم والتربية وحفظ النظم ورفع الظلم وسدّ الثغور والمنع عن تجاوز الأجانب من أوضح أحكام العقول من غير فرق بين عصر وعصر أو مصر ومصر ، ومع ذلك فقد دلّ عليه الدّليل الشرعيّ أيضاً ...».
وقال (ره) في ص ٤٦٤ : «أمّا في زمان الغيبة فالولاية والحكومة وإن لم تجعل لشخص خاصّ ، لكن يجب بحسب العقل والنقل أن تبقيا بنحو آخر لما تقدّم من عدم إمكان إهمال ذلك ، لأنّهما ممّا تحتاج إليه الجامعة الإسلامية ...» وقال (ره) في ص ٤٦٦ : «فالعقل والنقل متوافقان في أنّ الوالي لا بدّ وأن يكون عالماً بالقوانين وعادلاً في النّاس وفي إجراء الأحكام ، وعليه فيرجع أمر الولاية إلى الفقيه العادل وهو الّذي يصلح لولاية المسلمين ...» انتهى المراد من