ووجوبه باعتبار كونه مصداقاً لإطاعة أمر الوالدين حكم عارض عليه. ولا منافاة أن يكون للشيء بما هو هو حكم ، وبما أنّه معروض عنوان آخر حكم آخر ، والعناوين المؤثرة للحكم عبارة عن أُمور :
الأوّل : الضّرورة والاضطرار (١) ، الثاني : الضّرر والضّرار (٢) ، الثالث : العسر والحرج ، الرابع : التقيّة ، الخامس : الأهمّ والمهمّ ، السادس : أمر الوالدين ونهيهما ، السابع والثامن والتاسع : النّذر واليمين والعهد ، العاشر : مقدّمة الواجب أو الحرام.
فاعلم : أنّ عروض هذه العناوين ربّما توجد أرضية خاصّة لتغيّر الحكم العارض عليه بما هو هو ، فلأجل ذلك ، صار أكلُ الميتة المحرّم عند الضّرورة والاضطرار جائزاً ، والسّفرُ إلى الحجّ المندوب عند نهي أحد الوالدين حراماً بالعرض لاستلزامه ما هو محرّم بالذّات وهو العقوق ، وليس لأيّ مشرّع غضّ النّظر عن هذه العناوين الثانويّة كلّها أو بعضها ، فإنّ في إيجاب الحكم والإصرار عليه عند الضّرورة والاضطرار ، وتنفيذ الحكم عند الضّرر يوجب انسحاب الناس عن الدّين وقلّة الرّغبة إليه ، فلم يكن بدّ من ملاحظتها وتقديمها على أحكام العناوين الأوّليّة ، ولأجل ذلك قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لا ضرر ولا ضرار» (٣) ، وقال : ليس شيء ممّا حرّمه الله إلّا وقد أحلّه لمن اضطرّ إليه.
__________________
(١) الضرورة : الحاجة ، والاضطرار : الاحتياج.
(٢) الضّرر والضرّ عرفاً هو النقص الماليّ والنفسيّ دون النقص العرفيّ كالهتك والإهانة. ولغة : الضيّق والشدّة وسوء الحال. والضّرار لغة : فعال من الضرّ ، أي : لا يجازي الرّجل أخاه على إضراره بإدخال الضرر عليه. وقيل : هما (الضّرر والضرار) بمعنى ، والتكرار ـ في الحديث ـ للتأكيد. وقيل : الضّرار : اللّجاجة والإصرار على عدم التسليم للغير ، والتّصلّب في إنفاذ إرادة نفسه وإن لم يفده شيئاً كما نرى من عادة الأرذال.
(٣) الوسائل : ١٧ / ٣٤١ ح ٣ ، الباب ١٢ من أبواب إحياء الموات.