درجة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله. وأرجو أن أكون أنا ذلك العبد».
ثم قال : والتوسل بالنبي صلىاللهعليهوسلم والتوجه به في كلام الصحابة ، يريدون التوسل به وشفاعته. والتوسل به في عرف كثير من المتأخرين يراد به الإقسام به والسؤال به.
وحينئذ فلفظ التوسل به صلىاللهعليهوسلم يراد به معنيان صحيحان باتفاق المسلمين ويراد به معنى ثالث لم ترد به سنة.
أما المعنيان الصحيحان. فأحدهما : التوسل بالإيمان به وبطاعته.
والثاني : دعاؤه وشفاعته. ومن هذا قول عمر بن الخطاب : اللهم إنا كنا إذا أجدبنا توسلنا إليك بنبينا فتسقينا ، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا ـ العباس ـ فاسقنا أى بدعائه وشفاعته.
والتوسل بدعائه وشفاعته كما قال عمر ـ هو توسل بدعائه لا بذاته ، ولهذا عدلوا عن التوسل به إلى التوسل بعمه العباس.
فلما عدلوا عن التوسل به إلى التوسل بالعباس ، علم أن ما يفعل في حياته قد تعذر بموته.
وأما المعنى الثالث الذي لم ترد به سنة فهو التوسل به بمعنى الإقسام على الله بذاته والسؤال بذاته ، فهذا لم يكن الصحابة يفعلونه لا في حياته ولا بعد مماته ولا عند قبره ولا غير قبره. ولا يعرف في شيء من الأدعية المشهورة بينهم وإنما ينقل شيء من ذلك في أحاديث ضعيفة مرفوعة وموقوفة. أو عمن ليس قوله حجة» (١).
قال الآلوسى ما ملخصه : واستدل بعض الناس بهذه الآية على مشروعية الاستغاثة بالصالحين ، وجعلهم وسيلة بين الله ـ تعالى ـ وبين العباد والقسم على الله ـ تعالى ـ بهم ، بأن يقال : اللهم إنا نقسم عليك بفلان أن تعطينا كذا. ومنهم من يقول للغائب أو للميت من عباد الله الصالحين : يا فلان ادع الله أن يرزقني كذا وكذا ويزعمون أن ذلك من ابتغاء الوسيلة وكل ذلك بعيد عن الحق بمراحل.
وتحقيق الكلام في هذا المقام أن الاستغاثة بمخلوق وجعله وسيلة بمعنى طلب الدعاء منه لا شك في جوازه إن كان المطلوب منه حيا ، ولا يتوقف على أفضليته من الطالب ، بل قد يطلب الفاضل من المفضول ، فقد صح أنه صلىاللهعليهوسلم قال لعمر لما استأذنه في العمرة : «لا تنسنا يا أخى من دعائك». ولم يرد عن أحد من الصحابة ـ وهم أحرص الناس على كل خير ـ أنه طلب من ميت شيئا.
وأما القسم على الله ـ تعالى ـ بأحد من خلقه مثل أن يقال : اللهم إنى أقسم عليك أو
__________________
(١) من كتاب الوسيلة «للإمام ابن تيمية» نقلا عن تفسير القاسمى ج ٦ ص ١٩٦٨