وبكل ما يتعلق بالكائنات كلها.
وبعد هذا التنزيه من عيسى ـ عليهالسلام ـ لله عزوجل ـ ، وبعد هذا النفي المؤكد لما سئل عنه بعد كل ذلك يحكى القرآن ما قاله عيسى لقومه فيقول : (ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ، وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ) أى : ما قلت لهم ـ يا إلهى ـ (اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ) وإنما القول الذي قلته لهم هو الذي أمرتنى أن أبلغهم إياه وهو عبادتك وحدك لا شريك لك ، فأنت ربي وربهم ، وأنت الذي خلقتني وخلقتهم ، فيجب أن ندين لك جميعا بالعبادة والخضوع والطاعة ، وأنت تعلم يا الهى ـ أننى لم أقصر في ذلك ، وأننى كنت رقيبا وشهيدا على قومي ، وداعيا لهم إلى اخلاص العبادات لك والعمل بموجب أمرك مدة بقائى فيهم.
قال الفخر الرازي : وأن في قوله (أَنِ اعْبُدُوا اللهَ) مفسرة والمفسر هو الهاء في (به) من قوله (إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ) وهو يعود إلى القول المأمور به.
والمعنى : ما قلت لهم إلا قولا أمرتنى به ، وذلك القول هو أن : اعبدوا الله ربي وربكم. واعلم أنه كان الأصل أن يقال : ما أمرتهم إلا بما أمرتنى به إلا أنه وضع القول موضع الأمر ، نزولا على موجب الأدب الحسن لئلا يجعل نفسه وربه آمرين معا ، ودل على الأصل بذكر أن المفسرة (١).
وقوله : (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) بيان لانتهاء مهمته بعد فراقه لقومه.
أى : أنت تعلم يا إلهى بأنى ما أمرتهم إلا بعبادتك وبأنى ما قصرت في حملهم على طاعتك مدة وجودى معهم ، (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي) يا إلهى أى : قبضتني بالرفع إلى السماء حيا ، كنت أنت الرقيب عليهم ، أى : كنت أنت وحدك الحفيظ عليهم المراقب لأحوالهم ، العليم بتصرفاتهم. الخبير بمن أحسن منهم وبمن أساء وأنت ـ يا إلهى ـ على كل شيء شهيد ، لا تخفى عليك خافية من أمور خلقك.
هذا. وما ذهبنا إليه من أن معنى (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي) أى : قبضتني بالرفع إلى السماء حيا قول جمهور العلماء.
ومنهم من يرى أن معنى (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي) أى : أمتنى وزعموا أن رفعه إلى السماء كان بعد موته.
__________________
(١) الفخر الرازي ج ١٢ ص ١٢٥ المطبعة البهية.