بين من قتلوا من الرسل بعد أن كذبوهم : زكريا ويحيى ، وحاولوا قتل عيسى ـ عليهالسلام ـ كما حاولوا قتل رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلا أن الله ـ تعالى ـ نجاهما من مكرهم وكيدهم.
قال صاحب الكشاف : وقوله : (كُلَّما جاءَهُمْ رَسُولٌ) جملة شرطية وقعت صفة لقوله : (رُسُلاً). والرابط محذوف : أى : رسول منهم (بِما لا تَهْوى أَنْفُسُهُمْ) أى بما يخالف هواهم ويضاد شهواتهم.
فإن قلت : أين جواب الشرط قلت : هو محذوف يدل عليه (فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ) فكأنه قيل : كلما جاءهم رسول منهم ناصبوه» (١).
والتعبير بقوله : (كُلَّما جاءَهُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ) يدل على أن حال بنى إسرائيل بالنسبة للرسل يدور بين أمرين إما التكذيب لهم ، والاستهانة بتعاليمهم وإما أن يجمعوا مع التكذيب قتلهم وإزهاق أرواحهم الشريفة. فكأن التكذيب والقتل قد صارا سجيتين لهم لا تتخلفان في أى زمان ومع أى رسول ، وذلك لأن لفظ «كل» يدل على العموم. «وما» مصدرية ظرفية دالة على الزمان ، فكأنه ـ سبحانه ـ يقول : في كل أوقات مجيء الرسل إليهم كذبوا ويقتلون دون أن يفرقوا بين رسول ورسول أو بين زمان وزمان.
وقال ـ سبحانه ـ (بِما لا تَهْوى أَنْفُسُهُمْ) للمبالغة في ذمهم ، إذ هوى النفس ميلها في الغالب إلى الشهوات التي لا تنبغي ، والرسل ما أرسلهم الله ـ تعالى ـ إلا لهداية الأنفس ، وكفها عن شهواتها التي يؤدى الوقوع فيها إلى المفاسد.
وبنو إسرائيل لا يكذبون الرسل ، ويقتلونهم إلا لأنهم جاءوهم بما يخالف هواهم ، ويتعارض مع أنانيتهم وشرههم ومطامعهم الباطلة.
وهكذا الأمم عند ما تفسد عقولها ؛ وتسيطر عليها الأطماع والشهوات ، ترى الحسن قبيحا ، وتحارب من يهديها إلى الرشاد حتى لكأنه عدو لها.
وقدم ـ سبحانه ـ المفعول به في قوله (فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ) للاهتمام بتفصيل أحوال بنى إسرائيل السيئة ، وبيان ما لقيه الرسل الكرام منهم.
وعبر عن التكذيب بالفعل الماضي فقال : (فَرِيقاً كَذَّبُوا) وعن القتل بالفعل المضارع فقال : (وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ) لحكاية الحال الماضية التي صدرت من أسلافهم بتصوير ما حصل في الماضي كأنه حاصل وقت التكلم ، ولاستحضار جريمتهم البشعة في النفوس حتى لكأنها واقعة
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ١ ص ٦٦٢