والخلاصة أن هاتين الآيتين تنهيان المؤمنين عن تحريم الطيبات التي أحلها الله لهم ، وتأمرانهم بالتمتع بها بدون إسراف أو تقتير مع خشيتهم لله ـ تعالى ـ وشكره على ما وهبهم من نعم.
وذلك لأن ترك هذه الطيبات يؤدى إلى ضعف العقول والأجسام ، والإسلام يريد من أتباعه أن يكونوا أقوياء في عقولهم وفي أجسامهم وفي سائر شئونهم ، لأن المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ـ كما جاء في الحديث الشريف.
ولأن دين الإسلام ليس دين رهبانية ، وفي الحديث الشريف «إن الله لم يبعثني بالرهبانية» (١) وإنما دين الإسلام دين عبادة وعمل ، فهو لا يقطع العابد عن الحياة ، ولكنه يأمره أن يعيش عاملا فيها غير منقطع عنها.
وإن التفاضل بين المؤمنين يكون باستقامة النفس ، وسلامة العبادة وكثرة إيصال النفع للناس. ولا يكون بالانقطاع عن الدنيا ، وتحريم طيباتها التي أحلها الله ـ تعالى.
وقد وردت آيات وأحاديث كثيرة تؤيد معنى هاتين الآيتين الكريمتين.
أما الآيات فمنها قوله ـ تعالى ـ (يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (٢).
ومنها قوله ـ تعالى ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) (٣).
وأما الأحاديث فمنها ما أخرجه الشيخان عن أنس بن مالك قال : جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلىاللهعليهوسلم يسألون عن عبادته فلما أخبروا كأنهم تقالوها ـ أى عدوها قليلة ـ فقالوا : وأين نحن من رسول الله صلىاللهعليهوسلم؟ قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر قال أحدهم : أما أنا فإنى أصلى الليل أبدا ، وقال آخر : أنا أصوم الدهر ولا أفطر. وقال آخر : أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا.
فجاء رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم فقال : أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إنى لأخشاكم لله وأتقاكم له. لكني أصوم وأفطر وأصلى وأرقد ؛ وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس منى» (٤)
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٧ ص ٩
(٢) سورة الأعراف الآية ٣١
(٣) سورة البقرة الآية ١٧٢.
(٤) أخرجه البخاري في باب الترغيب في النكاح من كتاب النكاح ج ٧ ص ٢ ، وأخرجه مسلم في كتاب النكاح ج ٤