خليط بسر وتمر ، فسمعنا مناديا ينادى : إن الخمر قد حرمت. قال : فما دخل علينا داخل ولا خرج ، حتى أهرقنا الشراب ، وكسرنا القلال ، وتوضأ بعضنا ، واغتسل بعضنا ثم خرجنا إلى المسجد وإذا رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقرأ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ) .. إلى قوله (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ).
فقال رجل لقتادة : سمعته من أنس بن مالك؟ قال : نعم وقال رجل لأنس أنت سمعته من رسول الله صلىاللهعليهوسلم؟ قال : نعم. وحدثني من لم يكذب : والله ما كنا نكذب ، ولا ندري ما الكذب (١).
وأخرج ابن جرير ـ أيضا ـ عن أبى بريدة عن أبيه قال : بينما نحن قعود على شراب لنا ، ونحن نشرب الخمر حلا ، إذ قمت حتى آتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأسلم عليه وقد نزل تحريم الخمر (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ) .. الآيات. فجئت إلى أصحابى فقرأتها عليهم ، إلى قوله : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) قال : وبعض القوم شربته في يده قد شرب بعضا وبقي بعض الإناء ، فقال بالإناء تحت شفته (٢) العليا ، كما يفعل الحجام. ثم صبوا ما في باطيتهم ، فقالوا : انتهينا ربنا ، انتهينا ربنا» (٣).
وهكذا ترى أن قوة الإيمان التي غرسها الإسلام في نفوس أتباعه عن طريق تعاليمه الحكيمة وتربيته السامية. قد تغلبت على ما أحبته النفوس وأزالت من القلوب ما ألفته الطبائع إلفا شديدا.
٢ ـ أن كلمة خمر اسم لما خامر العقل وغطاه من الأشربة المسكرة ، سواء كانت من عصير العنب ، أم من الشعير ، أم من التمر ، أم من غير ذلك وكلها سواء في التحريم قل المشروب منها أو كثر ، سكر شاربها أو لم يسكر ، وأن على الشارب حد الشرب في الجميع.
وبهذا القول قال جمهور العلماء : ومن أدلتهم النقلية ما أخرجه البخاري عن ابن عمر قال : خطب عمر على منبر رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : إنه قد نزل تحريم الخمر وهي خمسة أشياء : «العنب والتمر والحنطة والشعير والعسل والخمر ما خامر العقل».
وأخرج أيضا عن عائشة قالت : «سئل رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم عن التبع ـ وهو نبيذ العسل ـ وكان
__________________
(١) تفسير ابن جرير ج ٧ ص ٣٧.
(٢) قوله : «فقال بالإناء» الفعل قال هنا بمعنى أخذ أو فعل : والمعنى أنه أخذ الإناء الذي يشرب فيه الخمر فضرب به تحت شفته العليا حتى جرحها كما يجرح الحجام من يريد حجامته ، والقصد من ذلك قهر نفسه والتصميم على الكف عن شرب الخمر كفا باتا. والباطية : إناء يوضع فيه الخمر.
(٣) تفسير ابن جرير ج ٧ ص ٣٤