قال ابن العربي : وتعلق أبو حنيفة بأحاديث ليس لها خطم ولا أزمة فلا يلتفت إليها والصحيح ما رواه الأئمة أن أنسا قال : «حرمت الخمر يوم حرمت وما بالمدينة خمر الأعناب إلا القليل ، وعامة خمرها البسر والتمر».
واتفق الأئمة على رواية أن الصحابة إذ حرمت الخمر لم يكن عندهم يومئذ خمر عنب وإنما كانوا يشربون خمر النبيذ فكسروا دنانهم ـ أى : أوانى الخمر ـ وبادروا إلى الامتثال لاعتقادهم أن ذلك كله خمر (١) ـ أى : وأقرهم رسول الله على ذلك.
وقال الآلوسى : وعندي أن الحق الذي لا ينبغي العدول عنه ، أن الشراب المتخذ مما عدا العنب كيف كان وبأى اسم سمى متى كان بحيث يسكر من لم يتعوده فهو حرام ، وقليله ككثيره ، ويحد شاربه ويقع طلاقه ، ونجاسته غليظة. وفي الصحيحين أنه صلىاللهعليهوسلم سئل عن النقيع ـ وهو نبيذ العسل ـ فقال : «كل شراب أسكر فهو حرام».
وروى أبو داود : «نهى رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن كل مسكر ومفتر».
وصح عنه صلىاللهعليهوسلم : «ما أسكر كثيره فقليله حرام». والأحاديث متضافرة على ذلك.
ولعمري إن اجتماع الفساق في زماننا على شرب المسكرات مما عدا الخمر ، ورغبتهم فيها ، فوق اجتماعهم على شرب الخمر ورغبتهم فيه بكثير. وقد وضعوا لها أسماء ـ كالعنبرية والإكسير ـ ونحوهما ، ظنا منهم أن هذه الأسماء تخرجها من الحرمة ، وتبيح شربها للأمة ـ وهيهات هيهات ـ فالأمر وراء ما يظنون وإنا لله وإنا إليه راجعون (٢).
٣ ـ قال القرطبي ما ملخصه : «فهم الجمهور من تحريم الخمر ، واستخباث الشرع لها ، وإطلاق الرجس عليها ، والأمر باجتنابها ، الحكم بنجاستها.
وخالفهم في ذلك ـ ربيعة والليث بن سعد والمزني صاحب الشافعى. وبعض المتأخرين من البغداديين والقرويين فرأوا أنها طاهرة وأن المحرم إنما هو شربها.
والصحيح ما عليه الجمهور لأن وصفها بأنها (رِجْسٌ) يدل على نجاستها فإن الرجس في اللسان النجاسة.
وقوله : (فَاجْتَنِبُوهُ) يقتضى الاجتناب المطلق الذي لا ينتفع معه بشيء بوجه من الوجوه وعلى هذا تدل الأحاديث الواردة في هذا الباب.
روى مسلم عن ابن عباس أن رجلا أهدى لرسول الله صلىاللهعليهوسلم راوية خمر ، ـ أى قربة خمر ـ
__________________
(١) أحكام القرآن لابن العربي ج ١ ص ١٤٩
(٢) تفسير الآلوسى ج ٢ ص ١١٣