الوحش ببقرة ، وفي الغزال بعنز. وأما إذا لم يكن الصيد مثليا فقد حكم ابن عباس فيه بثمن يحمل إلى مكة» (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ بعد ذلك طريق معرفة الجزاء ، ومآله ، وأنواعه ، فقال ـ تعالى ـ (يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ ، أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً).
والضمير في قوله (بِهِ) يعود على الجزاء المماثل للمصيد المقتول.
وقوله : (هَدْياً) حال من جزاء ، أو منصوب على المصدرية. أى يهديه هديا.
والهدى : اسم لما يذبح في الحج لإهدائه إلى فقراء مكة.
وقوله (بالِغَ الْكَعْبَةِ) صفة لقوله (هَدْياً) لأنه إضافته لفظية.
وقوله : (أَوْ كَفَّارَةٌ) معطوف على جزاء. وأو للتخيير ، وكذلك في قوله (أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً).
والعدل ـ بالفتح ـ ما عادل الشيء من غير جنسه. وأما بالكسر فما عادله من جنسه. وقيل هما سيان ومعناهما المثل مطلقا.
والمعنى الإجمالى للآية الكريمة : يا أيها الذين آمنوا بالله إيمانا حقا ، لا تقتلوا الصيد وأنتم محرمون ، ومن قتل منكم الصيد وهو بهذه الصفة فعليه جزاء من النعم مماثل الصيد المقتول ومقارب له في الخلقة والمنظر ، أو في القيمة ، وهذا الجزاء المماثل للصيد المقتول يحكم به رجلان منكم تتوافر فيهما العدالة والخبرة حتى يكون حكمهما أقرب إلى الحق والصواب ، ويكون هذا الجزاء الواجب على قاتل الصيد (هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ) أى : يصل إلى الحرم فيذبح فيه ويتصدق به على مساكينه ، أو يكون على قاتل الصيد (كَفَّارَةٌ) هي (طَعامُ مَساكِينَ) بأن يطعمهم من غالب قوت البلد ما يساوى قيمة هذا الجزاء المماثل للصيد المقتول بحيث يعطى لكل مسكين نصف صاغ من بر أو صاعا من غيره ، أو يكون عليه ما يعادل هذا الطعام صياما ، بأن يصوم عن طعام كل مسكين يوما ، وما قل عن طعام المسكين يصوم عنه يوما كاملا.
وإذا لم يجد للصيد المقتول مماثلا كالعصفور وما يشبهه فعليه قيمته ، يشترى بها طعاما لكل مسكين مد ، أو يصوم عن كل مد يوما.
وبهذا نرى أن المحرم إذا قتل الصيد فعليه جزاء من النعم مماثل للصيد المقتول في الخلقة والمنظر أو عليه ما يساوى قيمة هذا الجزاء طعاما ، أو عليه ما يعادل هذا الطعام صياما. وهذا ما يقول به جمهور الفقهاء.
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٩٩.