هذه بعض الأقوال التي ذكرها العلماء في تفسير هذه الألفاظ الأربعة ، وهناك أقوال أخرى سواها تختلف عنها.
ويبدو أن الخلاف في حقيقة هذه الأربعة مرجعه إلى اختلاف القبائل في بلاد العرب واختلاف الأماكن التي يقيمون فيها ، والعادات الباطلة التي شبوا عليها وألفوها.
هذا ، وقد ذكر ابن كثير بعض الروايات التي وردت في تفسيره هذه الألفاظ ، كما ذكر أول من أدخل هذه العادات الباطلة في بلاد العرب فقال ما ملخصه : (١) «روى البخاري ومسلم والنسائي عن سعيد بن المسيب قال. البحيرة : هي التي تكون درها للطواغيت. والسائبة : هي التي كانوا يسيبونها لآلهتهم لا يحمل عليها شيء ، والوصيلة : الناقة البكر تبكر في أول نتاج الإبل ثم تثنى بعد بأنثى وكانوا يسيبونها لطواغيتهم إن وصلت إحداهما بالأخرى ليس بينهما ذكر. والحام : فحل الإبل يضرب الضرائب المعدود فإذا قضى ضرابه تركوه للطواغيت ولا يحملون عليه شيئا.
وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال إن أول من سيب السوائب وعبد الأصنام أبو خزاعة عمرو بن لحى وإنى رأيته يجر أمعاءه في النار.
والمعنى : ما شرع الله ـ تعالى ـ شيئا مما حرمه أهل الجاهلية على أنفسهم من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام وهذه الحيوانات إنما حرم أهل الجاهلية أكلها والانتفاع بها من عند أنفسهم بدون علم أو برهان ، وهم في هذا التحريم إنما يفترون على الله الكذب الصريح القاطع بسبب كفرهم وضلالهم وأكثرهم لا يفقهون الحق ولا يستجيبون له انقيادا لأهوائهم ورؤسائهم.
والمراد بالذين كفروا في قوله (وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) رؤساؤهم وزعماؤهم الذين يأتون لعوامهم بالأحكام الفاسدة والمزاعم الباطلة ، وينسبونها إلى دين الله كذبا وزورا.
والمراد بأكثرهم في قوله : (وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) عوامهم ودهماؤهم الذين يسيرون خلف كل ناعق بدون تفكير أو تدبر.
وقد عبر ـ سبحانه ـ بقوله (وَأَكْثَرُهُمْ) إنصافا للقلة العاقلة التي خالفت هذه الأوهام الباطلة ، واستجابت للحق عند ظهوره.
ثم حكى ـ سبحانه ـ ما كان عليه هؤلاء العوام المقلدون من جمود وخضوع للباطل فقال.
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ١٠٧