قال صاحب الصحاح : يقال : «بان الشيء يبين بيانا ، أى اتضح ، فهو بين وكذا أبان الشيء فهو مبين ...».
والمعنى : تلك ـ أيها الناس ـ آيات بينات من الكتاب الكامل في جنسه ، ومن القرآن العظيم الشأن ، الواضح في حكمه وأحكامه ، المبين في هدايته وإعجازه فأقبلوا عليها بالحفظ لها ، وبالعمل بتوجيهاتها ، لتنالوا السعادة في دنياكم وآخرتكم.
قال الآلوسى : وفي جمع وصفي الكتابية والقرآنية من تفخيم شأن القرآن ما فيه ، حيث أشير بالأول إلى اشتماله على صفات كمال جنس الكتب الإلهية فكأنه كلها ، وبالثاني إلى كونه ممتازا عن غيره ، نسيجا وحده ، بديعا في بابه ، خارجا عن دائرة البيان ، قرآنا غير ذي عوج ..» (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ أن الكافرين سيندمون بسبب كفرهم في وقت لا ينفع فيه الندم ، فقال ـ تعالى ـ : (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ).
قال الشوكانى ما ملخصه : قرأ نافع وعاصم بتخفيف الباء من (رُبَما) ، وقرأ الباقون بتشديدها .. وأصلها أن تستعمل في القليل وقد تستعمل في الكثير.
قال الكوفيون : أى يود الكفار في أوقات كثيرة لو كانوا مسلمين.
وقيل : هي هنا للتقليل ، لأنهم ودوا ذلك في بعض المواضع لا في كلها لشغلهم بالعذاب ....» (٢).
وقد حاول بعض المفسرين الجمع بين القولين فقال : من قال بأن (رُبَما) هنا للتكثير نظر إلى كثرة تمنيهم أن لو كانوا مؤمنين ، ومن قال بأنها للتقليل نظر إلى قلة زمان إفاقتهم من العذاب بالنسبة إلى زمان دهشتهم منه ، وهذا لا ينافي أن التمني يقع كثيرا منهم في زمن إفاقتهم القليل ، فلا تخالف بين القولين (٣).
والمعنى : ود الذين كفروا عند ما تنكشف لهم الحقائق. فيعرفون أنهم على الباطل ، وأن المؤمنين على الحق ، أن لو كانوا مسلمين ، حتى ينجوا من الخزي والعقاب.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٤ ص ٣.
(٢) تفسير فتح القدير ج ٣ ص ١٢١.
(٣) حاشية الجمل على الجلالين بتصرف قليل ج ٢ ص ٥٣٧.