قال الآلوسى ما ملخصه : وقوله «تلبسونها» أى : تلبسها نساؤكم ، وأسند الفعل إلى ضمير الرجال ، لاختلاطهم بهم ، وكونهم متبوعين ، أو لأنهم سبب لتزينهن ، فإنهن يتزين ليحسن في أعين الرجال ، فكأن ذلك زينتهم ولباسهم.
قال القرطبي : «امتن ، الله ـ تعالى ـ على الرجال والنساء امتنانا عاما بما يخرج من البحر ، فلا يحرم عليهم شيء منه ، وإنما حرم الله ـ تعالى ـ على الرجال الذهب والحرير ، ففي الصحيح عن عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ قال : قال رسول صلىاللهعليهوسلم : «لا تلبسوا الحرير فإنه من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة».
وروى البخاري عن ابن عمر أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم اتخذ خاتما من ذهب .. ، فاتخذ الناس مثله ، فرمى به وقال : «لا ألبسه أبدا». ثم اتخذ خاتما من فضة فاتخذ الناس خواتم الفضة ...» (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ) نعمة ثالثة من نعمه ـ تعالى ـ في تسخير البحر للناس وأصل المخر : الشق. يقال : مخر الماء الأرض إذا شقها. ويقال مخرت السفينة تمخر ، وتمخر ، مخرا ، ومخورا ، إذا جرت في الماء وأخذت تشقه بمقدمتها.
أى : وترى ـ أيها العاقل ـ بعينيك السفن وهي تشق البحر بسرعة ، متجهة من بلد إلى بلد ، ومن قطر إلى آخر ، لا تحرسها إلا رعاية الله تعالى وقدرته ، كما قال ـ سبحانه ـ : (وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ. وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ. وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ. إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتاعاً إِلى حِينٍ) (٢).
والتعبير بقوله : «وترى ..» لاستحضار الحالة العجيبة عن طريق الرؤية البصرية ، وهي حالة تدل على قدرة الله تعالى ورحمته بعباده. حيث سخر لهم السفن لتجرى في البحر بأمره.
ثم بين ـ سبحانه ـ النعمة الرابعة من نعم تسخير البحر للناس فقال تعالى : (وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) والابتغاء : الطلب للشيء عن رغبة ومحبة.
أى : وسخر لكم البحر ـ أيضا ـ لتستخرجوا منه الحلية ، ولتطلبوا فضل الله تعالى
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٠ ص ٨٧.
(٢) سورة يس الآيات ٤١ ـ ٤٤.