ووصف ـ سبحانه ـ لحم أسماكه بالطراوة ، لأن أكله في هذه الحالة أكثر فائدة ، وألذ مذاقا ، فالمنة بأكله على هذه الحالة أتم وأكمل.
وقال بعض العلماء : وفي وصفه بالطراوة ، تنبيه إلى أنه ينبغي المسارعة إلى أكله ، لأنه يسرع إليه الفساد والتغير ، وقد أثبت الطب أن تناوله بعد ذهاب طراوته من أضر الأشياء ، فسبحان الخبير بخلقه ، ومعرفته ما يضر استعماله وما ينفع ، وفيه أيضا إيماء إلى كمال قدرته ـ تعالى ـ في خلقه الحلو الطري في الماء المر الذي لا يشرب.
وقد كره العلماء أكل الطافي منه على وجه الماء ، وهو الذي يموت حتف أنفه في الماء فيطفو على وجهه ، لحديث جابر ـ رضى الله عنه ـ عن النبي صلىاللهعليهوسلم : «ما نضب عنه الماء فكلوا ، وما لفظه فكلوا ، وما طفا فلا تأكلوا».
فالمراد من ميتة البحر في الحديث : «هو الطهور ماؤه الحل ميتته» ما لفظه البحر لا ما مات فيه من غير آفة (١).
وقوله «وتستخرجوا منه حليه تلبسونها» نعمة ثانية من نعم الله ـ تعالى ـ للإنسان في تسخير البحر له.
والحلية ـ بالكسر ـ اسم لما يتحلى به الناس. وجمعها حلى وحلى ـ بضم الحاء وكسرها ـ يقال : تحلت المرأة إذا لبست الحلي ، أى : ومن فوائد تسخير البحر لكم أنه سبحانه أقدركم على الغوص فيه ، لتستخرجوا منه ما يتحلى به نساؤكم كاللؤلؤ والمرجان وما يشبههما.
قال ـ تعالى ـ (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ ، بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ. يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) (٢).
والتعبير بقوله ـ سبحانه ـ تستخرجوا ..» يشير إلى كثرة الإخراج فالسين والتاء للتأكيد ، مثل استجاب بمعنى أجاب. كما يشير إلى أن من الواجب على المسلمين أن يباشروا بأنفسهم استخراج ما في البحر من كنوز وألا يتركوا ذلك لأعدائهم.
وأسند ـ سبحانه ـ لباس الحلية إلى ضمير جمع الذكور فقال : «تلبسونها» على سبيل التغليب ، وإلا فإن هذه الحلية يلبسها النساء في معظم الأحيان.
__________________
(١) تفسير المراغي ج ١٤ ص ٦١.
(٢) سورة الرحمن الآيات ١٩ ، ٢٢.