أرواحهم من أجسادهم ، أو يأتى أمر ربك ـ أيها الرسول الكريم ـ بإهلاكهم ، أو بإنزال العذاب بهم من حيث لا يشعرون.
وليس المراد من الجملة الكريمة ، أنهم ينتظرون ذلك على سبيل الحقيقة ، لأن إصرارهم على الكفر جعلهم يستهينون بهذا التهديد وإنما المراد أنهم حين أصروا على الكفر مع ظهور البراهين على بطلانه ، صار حالهم كحال المترقب لنزول أحد الأمرين : قبض الملائكة لأرواحهم ، أو نزول العذاب بهم.
فالجملة الكريمة تهديد لهم في تماديهم في الكفر ، وتحريض لهم على الإيمان قبل فوات الأوان.
قال الجمل : و «أو» في قوله «أو يأتى أمر ربك» مانعة خلو ، فإن كلا من الموت والعذاب يأتيهم وإن اختلف الوقت ، وإنما عبر بأو دون الواو ، للاشارة إلى كفاية كل واحد من الأمرين في تعذيبهم ...» (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ). تسلية للرسول صلىاللهعليهوسلم عما أصابه منهم من أذى.
أى : مثل هذا الفعل الشنيع الذي صدر عن الكافرين من قومك ـ يا محمد ـ فعل الذين من قبلهم من أقوام الرسل السابقين ، كقوم نوح وقوم هود ، وقوم صالح ، فإنهم قد آذوا رسلهم. كما آذاك قومك.
وقد أنزلنا بهم ما يستحقون من عقاب دنيوى ، ولعذاب الآخرة أشد وأبقى.
وقوله ـ سبحانه ـ (وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ). بيان لعدالة الله ـ تعالى ـ وأنه ـ سبحانه ـ لا يظلم الناس شيئا.
أى : وما ظلمهم الله حين أنزل بهم عقابه : ولكن هم الذين ظلموا أنفسهم بترديهم في الكفر ، وإصرارهم عليه ، ومحاربتهم لمن جاء لإخراجهم من الظلمات إلى النور.
وقوله ـ سبحانه ـ : (فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) معطوف على قوله (كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) وما بينهما اعتراض.
وحاق : بمعنى أحاط ، من الحيق بمعنى الإحاطة ، وبابه باع ، يقال : حاق يحيق ، وخص في الاستعمال بإحاطة الشر ، ومنه قوله ـ تعالى ـ : (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ).
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٥٦٩.